مقارنة بوثيقته الأولى التي أعلنها كرسالة مفتوحة في 16 فبراير 1985، تعكس الوثيقة الثانية تحولا في مسيرة حزب الله الخارجية هو أقرب إلى تعديل في السلوك والأداء منه إلى تغيير جذري في الخيارات التي رسمها لنفسه حينذاك.
لم يتغير موقفه من الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا من سورية وإيران وفلسطين، إلا أنه شهد تغييرا في الموقف.
من أوروبا، ومن القوة الدولية في جنوب لبنان التي خبرها بسلبية بين عامي 1982 و2000 وبإيجابية في القرار 1701 تاليا، يقارب الحزب أدوار هؤلاء الفرقاء في لبنان أو المنطقة من منطق تبديلات مهمة طرأت أوجبت عليه ملاقاتها بأسلوب مختلف. لم يقلل انفتاحه على الغرب وطأة عدائه للولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تظلان المحظورين الرئيسيين في أي مسعى حوار يجريه مع الخارج. لكن التحول مرتبط بمراجعة أجرتها أوروبا لعلاقتها بلبنان والحزب وتوازن القوى في المنطقة. وهكذا لم ترسم الوثيقة السياسية سلوكا جديدا للحزب للمرحلة المقبلة، بل جسدت سلوكا كان قد قرره في الأعوام المنصرمة، وطبقه تدريجيا في علاقاته الخارجية.
السفارات الغربية في لبنان رصدت بكثير من الاهتمام الوثيقة السياسية الصادرة عن حزب الله والتي اذاعها الامين العام السيد حسن نصرالله. ومن الطبيعي ان تكون سفارات الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا في طليعة المتابعين والمدققين في كل كلمة من كلمات هذه الوثيقة، لاسيما الشق المتعلق بالسياسة الخارجية ونظرة حزب الله لها.
ورغم مرور أيام على اعلان الوثيقة، الا ان أي رد فعل ولو في الكواليس الديبلوماسية لم يظهر عن هذه الدول، وقد يكون هذا التروي طبيعيا، اذ ان قراءة الوثيقة من قبل هذه الدول لا يمكن ان تحصل وفق قراءة اولى وسطحية، بل انها بحاجة الى نبش الكلمات وخلفياتها والمقصود الحقيقي بها. فواشنطن من خلال موقعها كصاحبة مشروع «هجومي» في المنطقة، ولو انه تعثر قليلا، ستقرأ في الوثيقة «ألغاز» السياسة الخارجية لايران ونظرتها للبنان وطبيعة الصراع مع اسرائيل. وفرنسا ستحاول جلاء الموقع الذي يمكن ان توسع دورها من خلاله على رقعة الشرق الأوسط. وبريطانيا صاحبة الانفتاح الاول، او ربما الوحيد المعلن مع حزب الله، ستحاول المطابقة بين نتائج حوارها مع حزب الله واللمسات الجديدة في النظرة السياسية لحزب الله.
رصد آخر قامت به الدوائر الديبلوماسية للبيان الوزاري الذي يحدد برنامج الحكومة للمرحلة المقبلة ومواقفها من المسائل الأساسية. وبالاجمال فإنه لم يعد هناك من اكتراث للتفاصيل اللبنانية، ما دام الوضع العام يسير بشكل مقبول، ولا سيما ان كل الدول المهتمة بالشأن اللبناني تدرك جيدا ابعاد ملف المقاومة وحزب الله وارتباطاته وموقعه في العلاقات الدولية مع كل من ايران وسورية. وستتعامل الدول بايجابية مع الخطوات الحكومية، لاسيما مع البيان الوزاري، لانها لا تريد تكبير الامور او اخذها لتصبح خلافية. وهناك اشارات ارسلت في اكثر من اتجاه الى الفرقاء اللبنانيين بضرورة انضباط الوضع والحفاظ على التهدئة. وتعول الدول على دور المؤسسات وعلى الاصلاح الاقتصادي، والتزام عوامل الاستقرار.
لذا هناك رغبة والتزام دوليان بانجاح حكومة الرئيس سعد الحريري، ولن تقوم الدول بأي انتقادات أو خطوات سلبية، خصوصا حول قضايا تفصيلية، تماشيا مع هذا الهدف، بل ان الأولوية لتسهيل عمل حكومته من اجل ان تحقق انجازات سياسية واقتصادية.
وبالتالي فان البيان الوزاري الذي تم التوصل اليه بالشكل والمضمون الحاليين، جاء نتيجة تفاهم وتوافق بين الفرقاء اللبنانيين، وبقبول رئيس مجلس الوزراء.
وهذا التوافق هو أكثر ما يهم في التقييم الدولي للبيان، ذلك ان استمرار التوافق أساسي في الأداء الحكومي لاحقا في التعامل مع القضايا المصيرية والجوهرية.
وما كان يهم المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة وفرنسا هو اكتمال العملية الدستورية بتشكيل الحكومة في الدرجة الأولى. وهذا ما كان موضع ترحيب شامل من الخارج. وليس هناك رغبة في التدخل في بيانها الوزاري مادام حافظ على التزامه القرارات الدولية، ورغم وجود «بند المقاومة» فيه.