تدهورت مكانة إسرائيل في أوروبا في الآونة الأخيرة، وهو ما اشارت إليه مجموعة من التقارير الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة.
ومن بين هذه التقارير، الملخص التنفيذي لـ «مؤتمر هرتسيليا التاسع» حول «ميزان المناعة والأمن القومي» في إسرائيل الصادر أخيرا، فيما يتعلق بالتحديات الاستراتيجية الماثلة أمام إسرائيل في العامين الحالي والمقبل. ووفقا للتقرير فإن أحد هذه التحديات يتمثل في مواجهة واقع تآكل مكانة إسرائيل السياسية في أوروبا، والذي ينعكس في الميل المتزايد لدى الأخيرة نحو رهن تطوير العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي بتقدم العملية السياسية مع الفلسطينيين. وعلى هذه الأرضية فإنه يؤكد أن الوعود السابقة (منذ نهاية 2008) برفع مستوى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لن تتحقق، على ما يبدو، في المستقبل القريب.
في واقع الأمر فإن التآكل الحالي لمكانة إسرائيل السياسية في أوروبا قد بدأ مباشرة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة (حملة «الرصاص المسكوب» طبقا لتسميتها الإسرائيلية).
وكانت ردة الفعل الأوروبية قد اقتصرت، في البداية، على الحملة ذاتها، لكنها سرعان ما تأثرت تدريجا بتطورين مركزيين: الأول، وهو مرتبط بالحملة، تمثل في ازدياد الشكوك والانتقادات في إسرائيل ذاتها، فيما تمثل التطور الثاني في معركة الانتخابات الإسرائيلية العامة (في شهر فبراير الفائت) وما تمخض عنها من نتائج وقيام حكومة يمينية جديدة (برئاسة بنيامين نتنياهو).
وقد ساهمت حقيقة تأكد صدقية بعض الاتهامات، المتعلقة بسلوك الجيش الإسرائيلي واستخدامه أنواعا مختلفة من الأسلحة والذخائر، ولاسيما في إثر تقرير «لجنة غولدستون» الأممية، بالإضافة إلى عدم استعداد إسرائيل للتحقيق في تلك الاتهامات، في زيادة وتصعيد لهجة الانتقادات الأوروبية، كما سمح في بعض الدول، خاصة في بريطانيا، بتقديم لوائح اتهام ضد عسكريين وسياسيين إسرائيليين، ومازال عدد من كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي يتحاشى زيارة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خشية تقديمه إلى المحاكمة.
غير أن الرسالة القوية لإسرائيل، والتي تعتبر مهمة حقا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، هي فكرة حل الدولتين، حيث ان «الاتحاد الأوروبي مقتنع بأن نهاية الأزمة الحالية يجب أن تواكبها جهود حثيثة من طرف الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، ومن طرف المجتمع الدولي، من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ديموقراطية وقابلة للحياة، في الضفة الغربية وقطاع غزة».
وكتب يوءاف بيران، وهو ديبلوماسي إسرائيلي سابق شغل منصبي المدير العام لوزارة الخارجية والسفير الإسرائيلي في بريطانيا، مقالة حول حصيلة خمسين عاما من العلاقات والتعاون بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي (بدأت منذ عام 1959)، اوضح خلالها أنه يوجد الآن داخل الاتحاد الأوروبي توجهان أساسيان فيما يتعلق بماهية وطابع العلاقات مع إسرائيل: التوجه الأول يعبر عن وجهة نظر أقلية ضئيلة ترى في إسرائيل شريكا فريدا من نوعه يستحق معاملة خاصة، وذلك في ضوء مستوى التطور والإنجازات والطابع الديموقراطي لإسرائيل، فضلا عن وجود التزام أوروبي إزاء تاريخ محرقة اليهود التي ارتكبها النازيون في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.
وهناك من يتحدث اليوم في أوروبا عن حق إسرائيل في التمتع بـ «مكانة مفضلة» تكفل لها التمتع بكل حقوق (وواجبات) أي دولة عضو في الاتحاد، ما عدا العضوية الرسمية، نظرا الى أنها ليست بلدا أوروبيا (على غرار المكانة المقترح منحها لتركيا).
والتوجه الآخر، وهو التوجه السائد فعليا، لا يبتعد كثيرا عن الأول، إذ أنه يقر بالميزات الخاصة لإسرائيل، لكنه يؤكد أيضا على تحفظ أوروبا إزاء سياسة إسرائيل فيما يتعلق بحل النزاع الإسرائيلي - العربي، وخاصة القضية الفلسطينية، ويخشى أصحاب هذا التوجه ذاته من مس المصالح الأوروبية في العالمين العربي والإسلامي إذا ما منحت إسرائيل مكانة ومعاملة مفضلتين.