لم تكن حادثة إطلاق النار على حافلة سورية على مقربة من الحدود الشمالية للبنان مع سورية لتأخذ كل هذا الحجم من الاهتمام والمتابعة لولا «توقيتها السياسي» وصلتها المباشرة بزيارة الرئيس سعد الحريري الى سورية.
فقد دلت حركة الاستنفار الديبلوماسي والسياسي والأمني التي أعقبت هذه الحادثة على التعاطي مع هذه الحادثة على انها خطيرة في أبعادها ودلالاتها، وان اطلاق النار على الحافلة انما هو اطلاق نار سياسي على زيارة الحريري ومصالحته مع الرئيس السوري د.بشار الاسد. وهذا يعني ان هناك جهات متضررة من الوضع الجديد الذي يعاكس وضعا عدائيا ترسخ على امتداد سنوات ضد سورية، والذي نشأ وتطور بسرعة الى حد يصعب استيعابه واللحاق به. وان هناك من أراد «توجيه رسالة سياسية اعتراضية» على ما حدث، وان يوصل هذه الرسالة بالبريد الأمني السريع. الاهتمام جار بتحديد هذه الجهة المتضررة التي تجرأت على توجيه هذه الرسالة الأمنية السياسية، وعلى نصب كمين مبكر لمصالحة الحريري - الاسد.
وبانتظار انتهاء التحقيقات المكثفة والجدية، فإن الاتهام السياسي موجه في عدة اتجاهات لها صلة بموقع الحادثة الارهابية والتركيبة السياسية الاجتماعية لمنطقة دير عمار القريبة، المترامية الأطراف حتى تخوم مخيم نهر البارد، والتي يتداخل فيها الوجود الفلسطيني مع النشاط الأصولي، وحالة التطرف التي وصلت أحيانا الى استهداف الجيش اللبناني مع حالة العدائية ضد سورية التي بلغت مرحلة متقدمة في دير عمار بعد اغتيال ابنها النقيب وسام عيد. ولكن حادثة اطلاق النار التي قتلت عاملا سوريا ووجهت انذارا مبكرا الى وجود خطر أمني يتربص بعلاقة الحريري مع سورية، تبدو حادثة معزولة ومحدودة الأثر والنتائج.
فإذا كانت تنطوي على «رسالة اعتراضية» فإنها بالتأكيد لا تعكس حالة اعتراضية في الشارع على زيارة الحريري الى دمشق، لا بل تشير الاستطلاعات الأولية الى تفهم وقبول لدى الشارع السني، ولو على مضض وتململ، لهذه الزيارة والظروف التي فرضتها ودعت اليها، خصوصا ان «التسويق الشعبي» للزيارة وعلى مستوى الدعاية السياسية أيضا جار على أساس ان سورية هي التي غيرت وتغيرت بمصالحتها السعودية وتحالفها مع تركيا وانفتاحها على أوروبا واميركا وتمايزها عن ايران. وان الأولويات عند السنة في الهواجس والاتهامات ومصادر القلق قد تغيرت أيضا.
كما ان حادثة اطلاق النار لا تعكس حالة سياسية اعتراضية ولا تستند الى مثل هذه الحالة، حتى انها لا تجد من يغطيها ويشجعها أو يبررها. فالرئيس سعد الحريري في انفتاحه الجريء على دمشق يتمتع بغطاء سني كامل من القيادات السياسية للطائفة، لاسيما من هم في الشمال وطرابلس، اضافة الى دعم حلفائه سواء منهم الذين غادروا تحالف 14 آذار مثل وليد جنبلاط أو الذين مازالوا متمسكين بـ 14 آذار كإطار وروحية مثل سمير جعجع وأمين الجميل وفارس سعيد، أو ما بات يعرف بـ «مسيحيي 14 آذار» الذين انحصرت ملاحظاتهم في شكليات الزيارة والطريقة التي تمت بها من دون اعتراض أو رفض للزيارة في حد ذاتها ولنتائجها ومضمونها وللواقع السياسي الناشئ عنها والذي يتجه حلفاء الحريري للانخراط فيه والتفاعل معه، مع الاحتفاظ بهامش موقف سياسي يشدد على الربط بين الموقف من سورية وطريقة مقاربتها للوضع في لبنان من جهة، ولمسار العلاقة من الآن فصاعدا والنتائج العملية في ملفات ومسائل عالقة من جهة ثانية.
ان زيارة الحريري الى دمشق شكلت نقطة تحول في مسار الوضع اللبناني، وهو تحول يستند الى معطيات استراتيجية وفي سياق تحول عام بطيء هادئ وعميق في الشرق الأوسط.
ولذلك فإن مفاعيله تمتد لأشهر وسنوات، والزيارة تعلن افتتاح وتدشين مرحلة جديدة، ومسار جديد في الوضع اللبناني يصعب على أي طرف داخلي الوقوف في وجهه أو تعطيله لأنه جزء من «مسار اقليمي دولي» في المنطقة سيأخذ طريقه الى الوضوح والتبلور في العام 2010 سلما أو حربا، مواجهات أو تسويات. ولبنان معني بالتحولات الجارية من حوله ويشكل جزءا منها، وبدأ يتلقى نتائجها الأولية بانتقاله من مرحلة الادارة السعودية - الايرانية «الصراعية» (2005 – 2009) الى مرحلة الادارة السورية - السعودية المشتركة (2009).