تحتفل فرنسا اليوم بعيدها الوطني ويتقدم رئيسها ايمانويل ماكرون الاحتفال الرسمي الشعبي الذي يقام عند جادة الشانزليزيه ويتخلله استعراض عسكري، بعد الاحتفال مباشرة، ينتقل ماكرون الى روسيا لحضور المباراة النهائية في مونديال ٢٠١٨ التي بلغها المنتخب الفرنسي، وفي موسكو سيكون لماكرون لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش الحفل الختامي لبطولة العالم، وقبل يوم واحد من انتقال بوتين الى هلسنكي للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ماكرون الذي أقام علاقات جيدة مع بوتين وترامب، تنظر أوساط فرنسية الى زيارته لموسكو على أنها فرصة لابراز أن فرنسا يمكن أن تكون شريكا لروسيا، وأن ترامب لا يختصر الغرب وحده. كما أن الجانب الفرنسي يريد الاستفادة من اللقاء من أجل اظهار نوع من التقارب مع روسيا، في حين يشوب علاقات الأوروبيين مع واشنطن التوتر بسبب سياسات ترامب الحمائية والخلافات التي برزت بين الطرفين بخصوص ملفات اقليمية، أبرزها الملف النووي الايراني، والعقوبات التي تنوي واشنطن فرضها على المتعاملين مع ايران بدءا من الشهر المقبل، قبل عام، انتخب الفرنسيون ايمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية بوجه منافسته مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف.
وبسبب ظروف سياسية استثنائية، وصل هذا الشاب ابن الـ ٣٨ عاما، الى أعلى منصب في الجمهورية الفرنسية، قالبا الموازين، ومتخطيا الانقسام التقليدي بين اليمين واليسار، ومقدما برنامجا اصلاحيا ليبراليا يسعى منذ ١٢ شهرا لوضعه موضع التنفيذ بلا تأخير، ورغم الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تقف بوجهه، بحسب تقرير لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية.
أن الرئيس الشاب معتنق مبدأ «البراغماتية» في السياسة الخارجية، دشن عهده بالسعي لبناء علاقة خاصة مع ترامب ومن غير اهمال نظيره الروسي بوتين.
وبالنسبة للملف النووي الايراني يسعى ماكرون لابرام اتفاق جديد مع ايران يبقي على اتفاق ٢٠١٥، لكن يستكمل باتفاق حول النشاطات النووية الايرانية لما بعد عام ٢٠٢٥، اضافة الى احتواء برامج طهران الصاروخية والباليستية وسياستها الاقليمية، لكن مصير ما يقترحه الرئيس الفرنسي يبقى مربوطا بما سيراه ترامب، وبما تقبل طهران ومعها موسكو التفاوض حوله، علما بأن الطرفين يرفضان رفضا مطلقا العودة الى التفاوض بشأن اتفاق ٢٠١٥ ومبادرات ماكرون في الملف السوري كانت بلا نتيجة عملية، فلا خطته اطلاق «مجموعة عمل» مشكلة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن أينعت ثمارا، ولا اجتماعات «المجموعة الضيقة» المشكلة من الدول الغربية الثلاث (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)، تضاف اليها ألمانيا والسعودية والأردن، أفضت الى نتيجة.
والخلاصة، أن مفتاح الحرب في سورية موجود بالأحرى لدى مجموعة آستانة (روسيا وايران وتركيا)، في حين الورقة ربما الوحيدة التي يملكها الغربيون هي الوجود العسكري في شرق وشمال سورية، الذي يمكن أن يكون مفيدا عند بدء البحث جديا في صورة الحل النهائي في سورية. الا أن باريس بقيت غائبة عن الملف الفلسطيني الاسرائيلي، باستثناء تعبير ماكرون عن معارضته مبادرات ترامب، وغير مؤثرة لا في الحرب العراقية ولا في أزمة الخليج والحرب في اليمن، ومع ذلك، فان الديبلوماسية الفرنسية لا تفتقر للمبادرات، كالمؤتمر الذي نظم لدعم الاستثمار في لبنان ومساعدته في ارساء استقراره وسيادته، أو المؤتمر الدولي الخاص بمحاربة الارهاب، في حين تحضر باريس لمؤتمر عن الأوضاع الانسانية في اليمن.
في السياسة الداخلية، يبرز اضافة الى برنامجه الاصلاحي الليبرالي، برنامجه لتنظيم علاقة الدول الفرنسية بالاسلام ومسلمي فرنسا، بعدما أصبحت الحاجة لعلاقة أوضح بين الدولة والاسلام أكثر الحاحا بعد العمليات الارهابية التي ضربت فرنسا منذ يناير عام ٢٠١٥ ومحاولة تلويث اسم الاسلام بها.
ويبقى موضوع الارهاب الذي يتصدر الأولويات الداخلية، والذي يسلط الضوء عليه أخيرا تقرير أعدته لجنة من مجلس الشيوخ حول التهديدات الارهابية في فرنسا، جاء تحت عنوان: «تنظيم ووسائل أجهزة الدولة لمواجهة تطور التهديد الارهابي بعد سقوط تنظيم داعش».
والخلاصة التي توصل اليها معدو التقرير أن تعاطي الدولة مع التهديد الارهابي يعاني من نقص كبير، مشيرا رغم ذلك الى أن الأجهزة الأمنية نجحت في تعطيل ٢٠ مخططا ارهابيا العام الماضي، و٦٧ مخططا منذ عام ٢٠١٥، أما الخلاصة الأخرى للتقرير، فقوامها أن أساس التهديد «داخلي»، ولذا، فان التقرير يندد بضعف تعاطي الدولة معه.