اختار قراء موقع شبكة الاخبار الاميركية «سي ان ان» بالعربية الرئيس السوري، بشار الأسد، ليكون شخصية العام 2009، بعد تنافس دراماتيكي شارك فيه أكثر من 30 ألف شخص، وشهدت أيامه الأخيرة تقلبات محمومة في النتائج، التي كانت تميل في البدء لصالح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
وفي التصويت لاختيار شخصية العام الذي اجرته سي ان ان بالعربية وشارك فيه نحو 30 الف شخص، نال الأسد 20687 صوتا، بواقع 67%، بينما كان نصيب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان 8442 صوتا، بما نسبته 28%، وحصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على 1550 صوتا، بواقع 5% من الأصوات.
وبصرف النظر عن طبيعة المنافسة خلال التصويت، فإن الأسد بلا ريب كان أحد أبرز الوجوه السياسية إقليميا ودوليا خلال الفترة الماضية، فقد نجح في فك عزلة طالت لسنوات حول بلاده، منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري عام 2005، كما وطد علاقاته مع جهات أوروبية وعربية، وأعاد وصل ما انقطع مع السعودية، وعزز صلاته باللاعب الإقليمي الجديد تركيا.
فدمشق التي عانت الكثير من المشاكل بعد اغتيال الحريري، جراء توجيه أصابع الاتهام إليها، من قبل جهات لبنانية، في القضية، عادت لتلعب دورها في محيطها، فكان لها خلال الفترة الماضية الكثير من المشاركة في صنع «الاستقرار السياسي» اللبناني، فاسترجعت بالسياسة ما فقدته مع انسحاب جيشها من بيروت. وتوج هذا الأمر بزيارة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، قبل أيام من انتهاء العام الماضي إلى دمشق، لتحمل الزيارة زخما مكثفا على المستويين الشخصي والسياسي، جعل الأسد في موقع قوة بالمنطقة، تتسابق قوى سياسية إلى التنصل من مواقفها السابقة ضده.
ولكن الثمار التي جناها الأسد في نهاية العام كانت قد زرعت في مطلعه، ففي مثل هذه الأيام من العام الماضي، كان قطاع غزة يشتعل بفعل العملية العسكرية الإسرائيلية التي شنت فيه تحت عنوان «الرصاص المصبوب»، وترافق ذلك مع انقسام عربي حول الموقف من العملية، تعزز ما بات يعرف بـ «قمة الدوحة الطارئة»، التي ضمت مجموعة من الدول العربية، على رأسها سورية.
وجاءت القمة بنتائج شعبية لمن حضرها، بمن فيهم الأسد، الذي وجد نفسه بعد أيام من حضورها يشارك في مصالحة عربية، أطلقها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت الاقتصادية، التي كان من ثمارها كسر العزلة العربية عن الأسد، وذلك من خلال القمة الرباعية التي عقدت في مارس 2008 بالرياض، بمشاركة قادة سورية والسعودية ومصر والكويت. وخلف البعد العربي في تحركات الأسد، يبرز البعد الدولي، فوصول الرئيس الأميركي باراك أوباما، وما حمله معه من مشروع لـ «مقاربة جديدة» تجاه سورية، كان له أبعد الأثر في تخفيف الضغط عن الأسد، وباتت دمشق من جديد محطة للعديد من الوفود الأميركية التي ناقشت قضايا تمتلك سورية فيها أوراقا رابحة، وخاصة بملفات لبنان والأراضي الفلسطينية والعراق والإرهاب وإيران.
وبالتوازي مع الانفتاح الأميركي، كانت فرنسا، تحت قيادة الرئيس نيكولا ساركوزي، تحاول الطلاق مع إرث الرئيس السابق جاك شيراك.
وسعى ساركوزي إلى تعزيز علاقاته بدمشق لتقوية موقع بلاده في الشرق الأوسط من جهة، ولضمان النجاح لمشروعه المتمثل ببناء «اتحاد متوسطي»، وتوجت هذه العلاقات المتوطدة بين الطرفين من خلال الزيارة التي قام بها الأسد إلى باريس في منتصف نوفمبر الماضي.
والواقع أن الانفتاح العربي والغربي على سورية، كان في جزء كبير منه مدفوعا برغبة دولية لفصل دمشق عن طهران، التي ترزح تحت وطأة ضغوطات دولية على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل، واحتجاجات داخلية ولدتها أزمة الانتخابات الرئاسية.
وعلى خط متصل، فتح الأسد قنوات اتصال مع اللاعب الإقليمي الجديد، وهو تركيا، فأنقرة التي ملت من انتظار قرار ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، بدأت تلعب أوراقها في الشرق الأوسط، فتراجع منسوب علاقاتها مع تل أبيب، بمقابل تعزيز صلاتها بدمشق ودول في آسيا الوسطى، وحل نزاعها التاريخي مع أرمينيا. واستفاد الأسد من هذا التوجه التركي الجديد، بسبب إدراكه لوجود فائض قوة لدى أنقرة، التي تدرك مدى ضعف معظم الموجودين على الساحة اليوم، بمن فيهم الولايات المتحدة، فكسب بذلك حليفا قويا يتمثل في رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
ولم يكتف الأسد بردات الفعل ومحاولة استغلال تطورات الأوضاع في المنطقة لصالحه، بل قام بطرح «نظريات» سياسية واقتصادية، حاول خلالها وضع بلاده في قلب الأحداث، مثل فكرة «البحار الأربعة»، التي تناول فيها ربط الأسود وقزوين والخليج وحتى البحر الأحمر بالبحر المتوسط، لبناء شراكة اقتصادية في مجالات النقل والطاقة.
يشار إلى أن التصويت لاختيار شخصية العام على cnn بالعربية الذي شارك فيه 30679 شخصا، لا يحمل الطابع العلمي، وقد نال الأسد 20687 صوتا، بواقع 67%، بينما كان نصيب رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان 8442 صوتا، بما نسبته 28%، وحصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على 1550 صوتا، بواقع 5% من الأصوات.