واشنطن ــ أحمد عبدالله
حين ذهب نوري المالكي الى واشنطن في يوليو الماضي، وخلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس بوش، قال رئيس الوزراء العراقي انه يناشد «الاخوة» في سورية وايران مساعدة العراق، وانه يشكر «الأصدقاء» في الولايات المتحدة وبريطانيا على ما يقدمونه من دعم.
وعقب انتهاء المؤتمر الصحافي التفت مسؤول كبير الى المالكي ليقول مازحا: «الايرانيون والسوريون يتدخلون في العراق وهو أمر يهدد حكومتكم، رغم ذلك تصفهم بالاخوة، ونحن والبريطانيون نساعدكم ورغم ذلك تصفنا بالأصدقاء، أليس الاخوة أقرب من الاصدقاء؟ لماذا وصفت من يسلح خصومكم بالاخوة، ووصفتنا نحن بالأصدقاء؟» فرد عليه المالكي: «بوسعك يا سيدي ان تختار الأصدقاء ولكن ليس بوسعك اختيار الاخوة».
القصة نقلها قبار طالباني نجل الرئيس العراقي للمعلق الأميركي ريتشارد مينيتر الذي يبدو انه لم يفهم مغزاها بدقة، بل وربما لا يكون المسؤول الأميركي الكبير قد ادرك ذلك المغزى بدوره، ربما حتى عقد مؤتمر القمة الأخير في الرياض حين التقى الاخوة، وابتعد البعض عن الأصدقاء.
إلا ان هذه الفوارق الدقيقة في المفردات تبدو غير مفهومة في الولايات المتحدة رغم ما يمكن ان يترتب عليها من تحولات مهمة، كما حدث في الرياض، اذ لاتزال واشنطن حائرة في فهم هذا المشهد المؤثر الذي قدمه مؤتمر عربي لم يكن ككل المؤتمرات، وكانت هذه الحيرة المفهومة ـ اذ لا توجد في العقل الاجتماعي للاميركيين فوارق ودلالات مشابهة لتلك المفردات ـ قد عادت الى الأذهان خلال زيارة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الاخيرة لتركيا.
فقد أتت هذه الزيارة في وقت يسوده ترقب حقيقي لما يمكن ان تفعل أنقرة مع حلول فصل الربيع، ففي ذلك الفصل يذوب الجليد في جبال شمال العراق، وتفتح المسارات الجبلية جانبيها لمرور من يشاء، ومن بين هؤلاء الذين يشاؤون مقاتلو حزب العمال الكردستاني، ذلك ان وتيرة الهجمات التي يقوم بها هؤلاء المقاتلون ضد أهداف تركية ـ وانطلاقا من الاراضي العراقية ـ تتزايد زيادة هائلة في فصل الربيع، ولأن الأتراك يشعرون بقلق عميق مما يحدث في شمال العراق بصفة عامة، ولانهم يشعرون بقلق أعمق من الاستفتاء الذي تعتزم سلطات الاقليم اجراءه في مدينة كركوك بدعوى تحديد هوية المدينة، ثم لانهم لا يريدون توقيع تعاقدات نفطية مع اي طرف كردي وإلا كان ذلك اعترافا ضمنيا باستقلاله النسبي عن بغداد، فيما تعد السلطات الكردية على ان العقود التي ستوقعها هي ـ و«تبصم» عليها بغداد ـ هي وحدها التي ستصبح سارية المفعول، لكل هذه الأسباب بدأت أنقرة حشد قواتها على الحدود مع العراق.
الهاشمي أكد «للاخوة» الأتراك ان بغداد لا تقبل باستهدافهم انطلاقا من اراضيها، وشرح لهؤلاء الاخوة ان اي اقتحام تركي للأراضي العراقية سيؤدي الى كارثة سياسية لحكومة بغداد، ونقل اليهم تعهدا من السلطات الكردية بأنها ستبذل كل جهد ممكن لمنع مقاتلي حزب العمال من استثمار ذوبان الجليد لتكثيف عملياتهم.
وهكذا فقد سافر الى انقرة وفد ديبلوماسي ـ عسكري اميركي، ولايزال فيها حتى الآن، فضلا عن ذلك فقد سحب اعضاء في الكونغرس مشروع قرار يقضي بالاعتراف بما يسمونه «مذبحة الأرمن» عام 1915 التي يُتهم الأتراك بارتكابها، فهل يكفي ذلك الجهد من الأصدقاء لمنع هجوم الاخوة الأتراك على الاخوة الأكراد؟
الصفحة في ملف ( pdf )