ليس غريبا أن ينفق المصريون أكثر من 500 مليون جنيه على موائد الرحمن في رمضان، بعد أن وصل عدد «الموائد» المرخصة فقط خلال العام الماضي أكثر من 13.5 ألف مائدة، واقترب عدد المترددين عليها من المليوني مواطن يوميا، أي ما يزيد على 50 مليون شخص على مدار الشهر.
وفي الوقت الذي خرجت فيه العديد من التقارير تشير إلى زيادة إنفاق المصريين على الطعام والشراب بشكل كبير في شهر رمضان الكريم، والتي قدرها البعض بأكثر من مليار جنيه يوميا، أكد خبير مصري أنه رغم ما تكشفه هذه الإحصاءات من ظواهر فإنها تجهل ظواهر أخرى، فهي تشير إلى حجم الإنفاق الرهيب في رمضان، وتتجاهل التوزيع القطاعي لهذا الإنفاق، ولم تحدد شرائح للإنفاق، مشيرا إلى انه ليس حقيقيا أن كل المصريين قادرون على الإسراف والبذخ في رمضان.
ولعل أكبر دليل على ذلك هو استقطاب «موائد الرحمن» في مصر قرابة مليوني صائم، كمؤشر قوي جدا على ازدياد عدد الفقراء في مصر والذين لا يستطيعون إنفاق تلك المبالغ بالطبع.
وتحت عنوان «المصريون ينفقون أكثر من 500 مليون جنيه على موائد الرحمن في رمضان»، نقلت صحيفة «المصريون» عن رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا د.حمدي عبد العظيم، «أن المصريين أنفقوا أكثر من 516 مليون جنيه في رمضان الماضي على موائد الرحمن، أي ما يعادل 100 مليون دولار تقريبا».
وأضاف عبد العظيم أن عدد موائد الرحمن العام الماضي بلغ نحو 13555 مائدة، ووصل عدد المترددين عليها ما بين 1.8 و1.9 مليون مواطن يوميا، أي ما يزيد على 50 مليون شخص على مدار الشهر، حسب التقديرات الرسمية لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء.
وأوضح تقرير صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن 78% من رواد موائد الرحمن هم من الذين يعملون في القطاع الخاص، بينما يعمل قرابة 15% منهم في القطاع الحكومي.
وبلغ متوسط التكلفة الكلية للمائدة الواحدة 1269 جنيها يوميا، فيما يبلغ متوسط تكلفة الوجبة للفرد الواحد نحو 9 جنيهات يوميا، فيما يرجح عبد العظيم ارتفاع الإنفاق على موائد الرحمن هذا العام إلى 600 مليون جنيه، بينما تقدر دراسات أخرى- غير رسمية- إنفاق أكثر من مليار جنيه على تلك الموائد. ويفسر هذا التفاوت الكبير بأن مركز المعلومات لا يحصي إلا الموائد التي حصلت على تراخيص من الأحياء والمحافظات، بينما هناك العديد من موائد الرحمن التي لا تحصل على موافقة الجهات المختصة، خاصة في المحافظات الإقليمية بعيدا عن العاصمة والقاهرة الكبرى، ليصل عدد رواد الموائد وفق تقدير تلك الدراسات يوميا إلى نحو ثلاثة ملايين مواطن.
وقال عبدالعظيم إن عدد القائمين والعاملين على تنظيم هذه الموائد يزيد على نحو عشرة آلاف مواطن واصفا موائد الرحمن بأنها صورة فريدة من نوعها في مصر دون سائر البلاد العربية والإسلامية التي بدأت مؤخرا تقليد المصريين بهذا الشأن حيث تنتشر موائد الرحمن في جميع الشوارع والأحياء والميادين المصرية، حيث يعتبر المصريون أن إطعام الصائم مغنمة كبيرة يتسابقون على اكتسابها.
وتأتي أهمية تنظيم موائد الرحمن إلى ارتفاع عدد الفقراء حسبما أشار تقرير التنمية البشرية العربية وإلى وجود نحو 47% من السكان في البلاد يعانون الفقر وسوء التغذية.
وعلى الجانب الآخر، أكد د.محمد عبدالحليم عمر مدير مركز «صالح كامل» للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، أنه رغم ضخامة مبلغ المليار جنيه إنفاق المصريين على الطعام «يوميا» في رمضان إلا أن هذا الرقم «طبيعي جدا»، موضحا أنه نظريا بقسمة المليار جنيه، وهو حجم الإنفاق اليومي على 80 مليون شخص، وهم عدد سكان مصر فإن الناتج يكون 12 جنيها ونصف في اليوم، أي ما يوازي دولارين للفرد، وهو مبلغ متواضع عالميا.
وأضاف عمر أن المشكلة ليست في المليار جنيه، الذي ينفق يوميا على الغذاء لكن المشكلة في كمية الفاقد، التي تتراوح بين 60 و75%، وهو مؤشر خطير يكشف سوء توزيع الدخل، لأن هذا الفاقد يحدث من جانب شريحة محدودة للغاية، وهي شريحة الأغنياء، في الوقت الذي تعاني فيه شرائح واسعة من الفقراء ومحدودي الدخل.
ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر د.صلاح الدين فهمي إن معدل إنفاق المصريين خلال الشهر الفضيل يتزايد بنسبة تتراوح بين 50 و100% بالاختلاف من أسرة لأخرى، مؤكدا أنه رغم ما تكشفه هذه الإحصاءات من ظواهر فإنها تجهل ظواهر أخرى، فهي تشير إلى حجم الإنفاق الرهيب في رمضان، وتتجاهل التوزيع القطاعي لهذا الإنفاق، ولم تحدد شرائح للإنفاق، مشيرا إلى انه ليس حقيقيا أن كل المصريين قادرون على الإسراف والبذخ في رمضان.
وكان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري قد كشف مؤخرا أن الأسرة المصرية تنفق 44.9% من إجمالي إنفاقها السنوي على الطعام، فيما يتوقع خبراء اقتصاد أن يتضاعف هذا الرقم في السنوات المقبلة، خصوصا في الأسر الفقيرة والمتوسطة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار السلع الغذائية المصرية والذي بلغ نسبا غير معقولة تتراوح بين 100% و250%.