كشفت الوثائق التي عثر عليها المصريون بعد اقتحام مقار مباحث أمن الدولة عن معلومات، لو صحت لكانت مصر تحكم من قبل عصابة إجرامية خطرة.
لعل أخطر الوثائق التي توقف الجميع أمامها، تلك التي تزعم تخطيط وتنفيذ وزير الداخلية السابق اللواء حبيب العادلي بالاشتراك مع جمال مبارك نجل الرئيس السابق التفجيرات الإرهابية التي وقعت في مدينة شرم الشيخ في 23 من شهر يوليو من العام 2005، وأسفرت عن مقتل 88 شخصا وإصابة نحو 200 آخرين، غالبيتهم من المصريين. وكذلك تورط العادلي في التخطيط لتفجيرات كنيسة القديسين التي وقعت في مدينة الإسكندرية مع الدقائق الأولى من العام الحالي 2011.
أثارت الوثائق العديد من التساؤلات حول الكيفية التي كانت تدار بها مصر. ولماذا خطط العادلي وجمال مبارك لتفجيرات شرم الشيخ الإرهابية كتابة؟ ألم يخش أي منهم من تسريب تلك المكاتبات؟ هل هي السذاجة أم الطغيان؟! حيث ظن أصحابه أنهم لن يسقطوا من فوق كراسيهم يوما ما! ولماذا لم يتبرأ تنظيم القاعدة من تلك التفجيرات التي ألصقها النظام المصري به؟
يبدو أن تلك الوثائق لن تمر مرور الكرام، حيث تقدم المحامي سمير صبري ببلاغ إلى النائب العام للتحقيق فيما ورد فيها، متهما حبيب العادلي وجمال مبارك بارتكاب جرائم إرهابية وقتل 88 شخصا وإصابة 200 آخرين، من بينهم 11 بريطانيا 6 إيطاليين و3 من جنسيات أخرى، منها التركية والتشيكية والإسرائيلية.
ووفقا للبلاغ الذي أرفقت به نسخة من الوثائق فإن «جمال مبارك أمين لجنة السياسات السابق في الحزب الوطني واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية السابق أمرا بتنفيذ التفجيرات التي وقعت في شرم الشيخ بغية الانتقام من رجل الأعمال الهارب حسين سالم، بسبب غضب جمال مبارك منه لدوره في تخفيض عمولته في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل».
واضاف البلاغ أن الوثائق كشفت عن وجود «تنظيم سري» في وزارة الداخلية يتبع الوزير شخصيا، مهمته القيام بمثل تلك العمليات. لافتا إلى أن التفجيرات وقعت باستخدام ثلاث سيارات ملغومة، في ثلاثة أماكن سياحية مملوكة لحسين سالم، الأولى انفجرت في مدخل فندق موفنبيك، والثانية انفجرت في المنتجع القريب من الفندق، والثالثة انفجرت في قرية موفنبيك.
وقال المحامي سمير صبري إنه تقدم ببلاغه إلى النائب العام للتحقيق فيما حوته تلك الوثائق من معلومات، مشيرا إلى أنها لو صحت، لوجب تطبيق عقوبة الإعدام ضد حبيب العادلي وجمال مبارك وفق المادة 102 من قانون العقوبات المصري. وأوضح أن المادة تنص على أنه «يعاقب بالإعدام كل من استعمل مفرقعات بغرض ارتكاب جريمة قتل سياسي أو تخريب المباني والمنشآت المعدة للمصالح العامة أو للمؤسسات ذات النفع العام أو للاجتماعات العامة أوغيرها من المباني أو الأماكن المعدة لارتياد الجمهور، ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من استعمل أو شرع في استعمال مفرقعات استعمالا من شأنه تعريض حياة الناس للخطر، فإذا أحدث الانفجار موت شخص أو أكثر كان العقاب الإعدام، ولفت صبري إلى أن النيابة العامة ستحقق في البلاغ بعد التأكد من صدقية الوثائق، مشيرا الى أن القول بأنها صحيحة أو مزورة سابق لأوانه.
من جهته قال د. ضياء رشوان الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إنه كان لديه شك يصل إلى حد اليقين في شأن عدم تورط تنظيم القاعدة في تفجيرات شرم الشيخ الثلاثة، وأضاف أنه منذ وقوعها في 23 يوليو من العام 2005، كانت تشي بأن هناك جهازا أمنيا على درجة عالية من الخبرة يقف وراءها.
وأوضح أن التفجيرات الثلاثة تمت بحرفية وإتقان شديدين، لم تعرف بهما المنظمات الإرهابية على مستوى العالم، بما فيها «القاعدة»، ورغم الإعلان عن أن هناك تنظيمات إسلامية متشددة هي من قامت بالتفجيرات، إلا أن الخبراء لم يقتنعوا بذلك. وتابع رشوان، الذي يعتبر واحدا من الخبراء القليلين في شأن تنظيم القاعدة، قائلا إنه كتب مقالات عدة في حينها، رفض فيها القول بأن التنظيمات الإسلامية المتطرفة هي المسؤولة عن التفجيرات، ورحج أن يكون المسؤول عنها جهاز الإستخبارات الإسرائيلي الموساد، بهدف ضرب السياحة في مصر، لكن أحدا لم يخطر بباله على الإطلاق أن يكون المتورط فيها هو المسؤول الأول عن حفظ الأمن في مصر، ألا وهو وزير الداخلية بالاشتراك أو بتعليمات من نجل الرئيس السابق الذي كان يتم إعداده لتولي الحكم. وحول أسباب تبني أحد التنظيمات المرتبطة بـ «القاعدة» مسؤوليتها عن التفجيرات، قال رشوان إن «القاعدة» أو أي من أذرعها لم تعلن المسؤولية عن الحادث، وساق الدليل على صحة معلوماته بالقول إن أيمن الظواهري أطلق 150 خطابا خلال الفترة من 2005 وحتى الآن، لم يشر في أي منها إلى تلك التفجيرات، رغم أنه تناول غالبية الأحداث المهمة التي مرت بها المنطقة العربية ودول العالم الإسلامي، ولاسيما مصر، بلده التي ولد وتربى فيها، ويعيش أهله وعشيرته على أرضها.
واعتبر رشوان تجاهل الظواهري لهذه التفجيرات دليلا على عدم تنفيذها من قبل التنظيمات الإسلامية، حيث لم يوجه التحية إلى أي فصيل أو جماعة إسلامية، رغم كبر حجم التفجيرات وأهميتها في تقويض نظام حكم مبارك، ورغم أنها أسفرت عن سقوط قتلى من جنسيات إسرائيلية وأميركية، وهم من يصفهم دائما بـ «الأعداء».
لكن ما الدوافع وراء توثيق النظام الحكام السابق لجرائمه وعملياته القذرة ضد شعبه؟ سؤال أجاب عنه د. عمار علي حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والسياسية، فقال إن النظام السابق كان يتعامل مع البلاد، وكأنه مخلد في الحكم، وأن مبارك لن يترك الحكم، إلا في حالة الوفاة، فقد قال في مؤتمر منذ نحو العامين إنه سيظل في الحكم ما دام القلب ينبض، بل كان يخطط من أجل تولي نجله جمال الحكم من بعده.
لذلك كان يسجل كل المكاتبات، ليس من قبيل السذاجة، لكن من قبيل الثقة بالنفس، فقد كان لديه يقين أنه أحدا لن يستطيع كشفه ولا يجرؤ أحد من العاملين في تلك العمليات القذرة على إفشاء السر، وإلا سيتعرض للقتل أو الاختفاء.
واضاف حسن أن النظام كان معروفا بوحشيته في التعامل مع الشعب ومن يخرجون عن طاعته من زبانيته، بل كان يستخدم طرقا أخرى في القمع، ألا وهي أسلوب «الرهائن»، حيث لم يكن يكتفي بالتنكيل بالمعارضين له أو الخارجين عنه، بل كان ينكل أيضا بأسرهم، ويعتقل النساء والأطفال ويهدد بإغتصابهن، وإذا كان هناك من يستطيع المغامرة بنفسه، لكنه لن يستطيع بأي حال من الأحوال المغامرة بحياة أسرته، لاسيما شقيقاته أو أمه أو زوجته أو أطفاله.
ووفقا لحسن، فهناك سبب آخر وراء تلك الطريقة في العمل، ألا وهي سيطرة البيروقراطية على كل مؤسسات الدولة، حيث لا يتم اتخاذ أي إجراء، إلا من خلال المكاتبات الورقية.
ورحج حسن أن يكون السبب الأساسي وراء الاحتفاظ بتلك الوثائق هو رغبة وزير الداخلية السابق في ترويض الرئيس مبارك ونجله الوريث، لحماية نفسه من غدر الرئيس به في أي تغيير وزاري. ولاستخدامها في الضغط على جمال بعد توليه الحكم للاستمرار في منصبه. مؤكدا أن الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى الصحة. ويدلل على ذلك بالقول إن الجميع يعلم أن نظام مبارك كان يستخدم «الملفات» في تحريك مسؤوليه الكبار، فلم يكن يسمح لأي شخص بتولي مسؤولية وزارة أو جهاز أو مؤسسة مهمة، إلا بعد التأكد من أن «له ملف قذر» لديه، وهو ما كان يستوعبه العادلي جيدا باعتباره شخصية أمنية، لذلك سجل أو وثق كل الجرائم للضغط على النظام تحسبا لأي محاولة للغدر به.
أما لماذا لم يتم تدمير تلك الوثائق التي تدين العادلي نفسه؟ فيرد حسن قائلا إن أحدا لم يتصور سقوط النظام بسهولة، ولم يتخيل هو نفسه الخروج من الوزارة بهذا الشكل، وكان لديه يقين أن مبارك لن يضحي به، لكن الثورة أطاحت بهم جميعا، ولم يتح أمامه الوقت لإصدار أوامره بتدمير الوثائق التي تخصه، فضلا عن أنه ظلم ونكل بالعديد من الضباط الكبار، الذين ساهموا بقدر كبير في نشر تلك الوثائق، بل وتسريب معلومات عنها قبل اندلاع الثورة، حيث كشفت المخابرات البريطانية عن تورطه في تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية في الأول من يناير الماضي.