القاهرة ـ هناء السيد ووكالات
بدأت أمس جلسات مؤتمر الأزهر العالمي للسلام، والذي يشارك فيه عدد من أبرز القيادات الدينية حول العالم، بينهم البابا فرنسيس الثاني، بابا الفاتيكان، حيث من المقرر أن يلقي كلمة في ختام المؤتمر عقب لقائه شيخ الأزهر اليوم بمشيخة الأزهر الشريف.
وشارك في الجلسة الافتتاحية القس د. أولاف فيكس، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، والقس د.جيم وينكلر، الأمين العام للمجلس الوطني للكنائس بالولايات المتحدة، والأنبا بولا، ممثلا عن البابا تواضروس الثاني، ود. أمل القبيسي، رئيس المجلس الوطني الاتحادي بالإمارات العربية المتحدة، والبطريريك برثلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، ود. محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
في كلمته أمام المؤتمر، أكد د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الحرب في الإسلام دفاعية وأول تشريع يبيح للمسلمين إعلان الحرب كان معللا بدفع الظلم والدفاع عن المظلومين.
وقال إن الحرب في الإسلام ليست قاصرة على الدفاع عن المساجد فقط بل مشروعة للدفاع عن الكنائس وعن معابد اليهود كذلك.
وأضاف أن الحرب في الإسلام ضرورة واستثناء يلجأ إليه حين لا يكون منه بد، وهذه هي نصيحة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية»، مؤكدا أن الحرب في الإسلام ليست هجومية، بل دفاعية، وأول تشريع يبيح للمسلمين إعلان الحرب ورفع السلاح، معلل بدفع الظلم والدفاع عن المظلومين، حيث يقول الله عز وجل: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) ـ الحج: 39.
وذكر شيخ الأزهر أن مشروعية الحرب في الإسلام ليست قاصرة على الدفاع عن المساجد فقط، بل مشروعة بالقدر ذاته للدفاع عن الكنائس وعن معابد اليهود، وإن تعجبت «فاعجب لدين يدفع أبناءه ليقاتلوا من أجل تأمين أهل الأديان الإلهية الأخرى، وتأمين أماكن عباداتهم».
وأضاف أن كل ما يقال عن الإسلام في شأن السلام يقال مثله تماما عن المسيحية واليهودية، لأن عقيدتي التي تلقيتها من القرآن الكريم تعلمني كمسلم أن رسالة محمد ليست دينا منفصلا مستقلا عن رسالة عيسى وموسى وإبراهيم ونوح عليهم السلام، وإنما هو حلقة أخيرة في سلسلة الدين الإلهي الواحد الذي بدأ بآدم وانتهى بنبي الإسلام، وأن هذه الرسالات من أولها إلى آخرها تتطابق في محتواها ومضمونها ولا تختلف إلا في باب التشريعات العملية المتغيرة، فلكل رسالة شريعة عملية تناسب زمانها ومكانها والمؤمنين بها.
وقال د. الطيب إن رسائل السلام يترتب بعضها على بعض ترتيبا منطقيا، وهي أن القرآن الكريم يقرر حقيقة الاختلاف بين الناس دينا واعتقادا ولغة ولونا، وأن إرادة الله شاءت أن يخلق عباده مختلفين، وإن الاختلاف هو سنة الله في عباده التي لا تتبدل ولا تزول إلى أن تزول الدنيا وما عليها، مضيفا أنه يترتب على حقيقة الاختلاف في الدين منطقيا حق حرية الاعتقاد لأن حرية الاعتقاد، مع الاختلاف في الدين، تمثل وجهين لعملة واحدة، وحرية الاعتقاد تستلزم بالضرورة نفي الإكراه على الدين، والقرآن صريح في تقرير حرية الاعتقاد مع ما يلزمه من نفي الإكراه على العقائد.
وأضاف د. الطيب أن السؤال الذي يثير حيرة الكثيرين وهو: «لماذا قاتل الإسلام غير المسلمين؟».
والجواب «لم يقاتلهم أبدا تحت بند كفار».وهنا يخرج سؤال آخر: «كيف والقرآن الذي يحمله المسلمون معهم في حروبهم يقول: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وكيف يشن الإسلام حربا من أجل إدخال الآخرين في الدين كرها، والقرآن يقرر: لا إكراه في الدين».
ونجيب ونقول، والكلام مازال لشيخ الأزهر، إن الإسلام لا يقاتل تحت بند الكفر، بل تحت بند العدوان، وتحت هذا البند لا يبالي القرآن إن كان يقاتل معتدين كفارا أو معتدين مؤمنين: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ـ الحجرات.
وأكد شيخ الأزهر أن الإسلام دين سلام وليس دين عدوان، والأديان الإلهية كلها سواء في هذا التأصيل المحوري لقضية السلام، وإذا كانت نصوص الإسلام التي ذكرت بعضا منها تكشف عن انفتاح هذا الدين على الآخر واحترامه واحترام عقائده، فكيف يصح في الأذهان وصفه بأنه دين الإرهاب؟
وإذا قيل: هو دين إرهاب لأن الذين يمارسون الإرهاب مسلمون؟ فهل يقال إن المسيحية دين إرهاب، لأن الإرهاب مورس باسمها هي الأخرى؟
وتساءل الطيب: «هل يمكن أن يقال إن اليهودية دين إرهاب لأن فظائع وبشاعات ارتكبت باسمها كذلك؟» وإذا قيل: «لا تحاكموا الأديان بجرائم بعض المؤمنين بها، فلماذا لا يقال ذلك على الإسلام؟ ولماذا الإصرار على بقائه أسيرا في سجن الإسلاموفوبيا ظلما وبهتانا وزورا».
وقال شيخ الأزهر يجب أن نستغل هذا المؤتمر النادر لنعلن للناس أن الأديان بريئة من تهمة الإرهاب؟ ويمكن أن نشير فيه ولو على استحياء - إلى أن الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين في الشرق أيا كان اسمه ولقبه واللافتة التي يرفعها لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام ولا إلى قرآن المسلمين، وإنما ترجع أسبابه البعيدة إلى سياسات كبرى جائرة اعتادت التسلط والهيمنة والكيل بمكيالين.