بقلم ا.د: محمد المصري
جيلي والأجيال التي سبقتني وبعض الأجيال التي جاءت بعدي تعلموا ومارسوا الطب في ظروف مختلفة عما نراه اليوم.
لم نكن نملك رفاهية التكنولوجيا الحديثة في التعلم أو في التشخيص أو في البحث عن المراجع أو الولوج إلى الشبكة العنكبوتية للحصول على المعلومات التي أصبحت متاحة بضغطة على الهاتف أو الكمبيوتر.. تعلمنا ومارسنا الطب الذي يعتمد على استغلال الحواس والعقل لتحليل المعلومات، ولم نكن نملك رفاهية الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي أو التدخلات التشخيصية المتاحة الآن.. وكانت جملة (استغل حواسك الاكلينيكية والمخزون الاكلينيكي هي الجملة التي طالما علقت بذهني Exhaust your clinical senses).
وكانت المتعة كل المتعة وما زالت في تشخيص الأمراض الصعبة والحالات النادرة باستغلال هذه الحواس دون اللجوء إلى تدخلات تشخيصية مكلفة للمريض، وما زالت هذه السياسة التي أتبعها إلى الآن إلا فيما ندر من الحالات المرضية.. الخبرة التراكمية من ممارسة المهنة أضافت الكثير إلى هذه المتعة، وقد تمر علي حالة مرضية تشبه حالة اخرى رأيتها من أعوام طويلة جدا وهنا تقفز في ذهني كل قرون الاستشعار ويبدأ العقل في التحليل والمقارنة.
بفضل الله تضيف هذه الميزة إلى قدرات الطبيب إلى حد كبير وتجعل للتشخيص الاكلينيكي متعة ما بعدها متعة.
اليوم اصبحنا نجد أن البعض يلجأ إلى التدخلات التشخيصية وإلى استخدام التكنولوجيا الطبية المتاحة أحيانا دون أن يحاول استغلال الحواس الطبية وقد يكلف المريض مبالغ طائلة في سبيل ذلك.. ما زالت ممارسة الطب متعة لإعمال العقل في التحليل والتنقيب ومحاولة إيجاد ابسط الحلول لمشاكل قد تبدو صعبة... «الطب وسنينه».