أراد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ان تكون «الاطلالة السياسية» الأولى لنجله تيمور من الضاحية الجنوبية وان يحضر اللقاءات التي أجراها مع السيد حسن نصرالله.
فالأمين العام لحزب الله له الفضل الأساسي في وصول جنبلاط الى دمشق، وسيكون «الحاضن والراعي الأول» لتيمور ومستقبله السياسي، وتيمور معجب بشخصية السيد وغير بعيد عن البيئة الشيعية (زوجته من عائلة زعيتر البقاعية...).
وفي اطار المعلومات عن قرب زيارة رئيس اللقاء الديموقراطي الى سورية علمت «الأنباء» من مصدر متابع ان زيارة جنبلاط الى دمشق ستتم اما في 20 او 21 من الشهر الجاري اي مابين زيارتي الرئيس الايطالي التي بدأت امس وتستمر لـ 3 ايام وزيارة الرئيس الارمني التي تبدأ في 22 من الشهر
وأراد وليد جنبلاط ان تكون الاطلالة «الزعاماتية» الأولى لنجله تيمور من المختارة وفي يوم 16 مارس ذكرى استشهاد كمال جنبلاط الأب والجد والمعلم.
هذا اليوم له رمزية خاصة عند وليد جنبلاط، ومع ذلك قرر هذا العام ان يتنحى جانبا ويكون في بيروت مثل أي يوم عادي مطلقا اشارتين لهما دلالة ومغزى سياسي: الأولى في اتجاه دمشق ليقول انه تجاوز نهائيا موضوع والده - في الماضي سامح واليوم ينسى - وانه ينشد فتح صفحة جديدة من العلاقة ليس فيها شيء من رواسب الماضي.
والاشارة الثانية في اتجاه حزبه وطائفته ليعلمهم ان تيمور الذي ناب عنه في يوم 16 مارس بات مؤهلا وجاهزا لينوب عنه في الزعامة ومهام القيادة، والمسألة لم تعد إلا مسألة ظروف وتوقيت.
ومن الواضح ان جنبلاط قرر ان تتم ترتيبات نقل الزعامة في حياته وليس بعد مماته، وقرر فتح الطريق السياسية أمام تيمور ونزع الكثير من الألغام والصعوبات واعداده وتهيئته عبر انخراط تدريجي في الحياة السياسية وخلال الفترة الفاصلة عن تاريخ التسليم الرسمي والنهائي في انتخابات العام 2013.
ويتأكد الآن ان مسألة توريث تيمور وتأمين استمرارية الزعامة في المختارة كانت في أساس وخلفية الاستدارة السياسية الكبيرة التي أقدم عليها جنبلاط ووصفها البعض بأنها «خطوة» جريئة، فيما لم ير فيها البعض الآخر الا «قفزة بهلوانية»، ولكنها في كل الأحوال كلفته تنازلات جسيمة ومؤلمة.
فهل يعيد التاريخ نفسه عندما يعود جنبلاط من سورية ويقول للمعترضين في طائفته على الزيارة ما قاله بعد زيارته دمشق العام 1977: «حنيت رأسي لدمشق حتى لا يضطر الدروز لحني رؤوسهم الى الأبد».
ويتأكد الآن ايضا ان المحرك الأبرز لجنبلاط في حركته الأخيرة الأكثر ارتباطا بشخصه وعائلته ومستقبله السياسي، يتمثل في تهيئة الظروف والأرضية السياسية لتسلم نجله تيمور مقاليد الزعامة في ظل أوضاع مريحة، وحيث سيكون من الصعب جدا على «تيمور» ان يبدأ من حيث انتهى والده. وعندما قرر القيام بانقلابه السياسي بدءا من «قنبلة البوريفاج» السياسية في 2 أغسطس الماضي معلنا خروجه من 14 آذار كان في صلب أهداف هذا التوجه الجديد اعداد الظروف الملائمة لتسلم تيمور مقاليد الزعامة وتسليمه طائفة ومنطقة مستقرتين ومحميتين.
ويقال ان جنبلاط مدرك في قرارة نفسه وبناء على أجواء وصلته من دمشق ان مصالحته السياسية مع القيادة السورية حصلت وكذلك زيارته الى دمشق حاصلة عاجلا أو آجلا، ولكن من الصعب ان تعود علاقته مع دمشق الى سابق عهدها، وان السوريين المرتاحين لمواقفه السياسية الأخيرة يمكن ان يسامحوه ولكن من الصعب ان ينسوا اساءاته الشخصية الماضية وهم يفضلون ان يكون التعاطي في المستقبل مع نجله تيمور وان تفتح صفحة جديدة معه لأنهم يعرفون موقع الدروز في المعادلة اللبنانية وموقع عائلة جنبلاط في المعادلة الدرزية.
ولكن «المشكلة الشخصية» لا تحل الا مع تيمور جنبلاط الذي يمثل «صفحة بيضاء» غير مثقلة بتجارب وخيبات و«أزمات ثقة».
وثمة دوافع وعوامل كثيرة تدفع بجنبلاط الى فتح مسألة توريث تيمور باكرا: هناك العامل التاريخي النفسي المتوارث والذي يقول ان زعماء آل جنبلاط يموتون «اغتيالا» عندما يبلغون سن الستين (وليد جنبلاط بلغه قبل أشهر). وهناك عامل التجربة الشخصية التي لا يريد جنبلاط ان تتكرر مع نجله عندما خلعت عليه عباءة الزعامة فجأة ومن دون مقدمات واعداد. وهناك عامل الخصوصية الدرزية داخل المعادلة اللبنانية، حيث «الجبل الدرزي» مازال يحتوي مفهوم «الامارة» وهي آخر امارة متبقية في لبنان كما يقول الرئيس حسين الحسيني وحيث الزعامة الدرزية المعقودة للواء للمختارة بدات تشهد اهتزازات وتحديات. وليد جنبلاط الذي شق طريق زعامته بنفسه بعدما كرسته حرب الجبل عام 1982 زعيما على الطائفة المهددة ومنقذا لها، يشق طريق الزعامة لنجله تيمور بنفسه في ظروف استثنائية عادت فيها الطائفة الدرزية الى دائرة الخوف والقلق تبحث عن دور مفقود ومجد ضائع.