عند متابعة مسار الوضع اللبناني ومناخه العام يمكن التوقف امام ملاحظتين متلازمتين: الأولى: تراجع أجواء وأحاديث الحرب التي اجتاحت الوسط السياسي اللبناني في بدايات هذا العام، من دون ان تعرف الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع وما إذا كان حصل نتيجة «توازن ردع ورعب» أظهرته بشكل واضح «قمة الأسد ـ نجاد ـ نصرالله» في دمشق، أو نتيجة فرصة جديدة أعطيت لمفاوضات السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي ومهلة الاشهر الأربعة التي حددها العرب بالتنسيق مع الأميركيين.
الثانية: تقدم حديث المحكمة الدولية وعودتها مجددا الى صلب الوضع اللبناني ومساره الداخلي بعد طول غياب، وحيث يسود انطباع راهن عند كثيرين بأن المحكمة الدولية هي المعطى الأهم الذي دخل على خط الحسابات والمواقف السياسية أخيرا. رغم اصدار المكتب الاعلامي لفريق النيابة العامة الدولية في بيروت امس بيان اكدت فيه ان المعلومات المتداولة والمنقولة عن التحقيق ليس سوى تخمينات. الاهتمام بموضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والناظرة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ارتفعت وتيرته وكبر حجمه لسببين: الأول يتصل بوقائع وتطورات وإشارات تسارعت في الفترة الأخيرة وأعطت انطباعا بان لجنة التحقيق الدولية باتت تمتلك معطيات متقدمة من شأنها ان تؤدي للوصول الى الحقيقة وتحديد الجهات التي تقف وراء اغتيال الحريري، وآخر هذه الإشارات وصول 11 محققا دوليا الى لبنان وإجراء تحقيقات جديدة واستدعاء عدد من الشهود لسماع أقوالهم بناء على استنابات قضائية وبعضهم استدعوا للمرة الأولى، إضافة إلى تعزيز الجانب التقني في التحقيقات مع تصوير ثلاثي الأبعاد لمسرح الجريمة بتقنية متطورة.
الثاني يتعلق بتسريبات سياسية قضائية ركزت على أمرين: ترجيح صدور القرار الظني (الاتهامي) في وقت قريب وقبل نهاية العام الحالي على أبعد تقدير، وتوجيه «الأضواء والأنظار» في اتجاه حزب الله.
وفي هذه التسريبات فان التحقيق الدولي استدعى مسؤولين من حزب الله بناء على القرار الظني الذي وضعه القاضي بلمار، وان القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية سيكون في دائرة الاتهام بأن له يدا في جريمة الاغتيال، وباختصار فإن القرار الاتهامي ليس بعيدا عن رواية «دير شبيغل» الألمانية التي كانت أول من زجت باسم حزب الله في جريمة اغتيال الحريري بعدما كان الاتهام السياسي في المرحلة السابقة محصورا في اتجاه سورية. وفي حين تخشى مصادر ديبلوماسية ان تصبح تطورات المحكمة الدولية من أبرز مصادر القلق للمرحلة المقبلة في لبنان، وترى مصادر 14 آذار ان هناك رابطا بين تطورات المحكمة والحملة السياسية التي تصاعدت أخيرا ضد المؤسسات الأمنية والسياسية ورئاسة الجمهورية في هجوم استباقي ووقائي من جانب حزب الله وحلفائه، تخشى مصادر في المعارضة قريبة من حزب الله ان يكون الرهان على المحكمة تقدم على الرهان على الحرب لدى قوى 14 آذار، وتحذر من خطورة استحضار ملف المحكمة الدولية لزجه في الوضع اللبناني مع ما يحمله هذا الملف من توترات وتجاذبات وملفات مذهبية خطيرة، ومن عودة «لعبة الأمم» التي سبق لجنبلاط ان حذر منها، والتي مورست ضد دمشق في المرحلة الماضية ويمكن ان تمارس ضد حزب الله في هذه المرحلة، وهذا الأمر يتطلب تدخلا سياسيا وقضائيا حاسما لأن القضية باتت تمس الأمن الوطني، ويخطئ من يعتقد انه بالإمكان تحويل البوصلة عن اتهام سورية، على نحو ما حصل في السنوات الماضية، نحو اتهام حزب الله، في سبيل إضعاف وجوده أولا، وبالتالي إلهاؤه عن استكمال دوره في مقاومة إسرائيل. فسورية التي وقفت ضد اتهام الضباط الأربعة سابقا، لن تسكت عن اتهام من هذا النوع، من منطلق ان ما يمس المقاومة يمسها هي أيضا.