انصرف الوسط السياسي الى تقويم ما صدر من نتائج في جبل لبنان، لاسيما في شأن بعض البلدات والمدن المسيحية التي حملت مؤشرات سياسية للمرحلة المقبلة، اذ ان معظم البلدات الأخرى خضعت النتائج فيها لمنطق التوافق والائتلافات التي ألغت في كثير من الأحيان الفروقات السياسية بين موالاة ومعارضة. وفيما يلي قراءتان لكل من قوى 14 آذار والتيار الوطني الحر حول نتائج هذه الانتخابات:
1 ـ قراءة 14 آذار
نتائج الانتخابات أظهرت وبشكل حسي ودقيق تراجعا كبيرا للتيار الوطني الحر على الرغم من ان هذا التراجع كان من الممكن ان يكون بنسبة أكبر لو ان بعض اللوائح لم تقبل بالتحالف أو التوافق.
ـ التيار الوطني الحر تعرض لخسارة كبيرة في قضاء جبيل. ومع ان أنصار عون فازوا في عدد من قرى القضاء، فإن فوز خصومه من قوى 14 آذار في بلدة قرطبا الجردية والعاقورة وقرى أخرى، أكد ان فوز عون بالمقاعد النيابية للقضاء عام 2009 جاء بفعل أصوات حزب الله وأمل في القرى الشيعية، وان حضوره المسيحي الى تراجع عن السابق.
ـ التيار الوطني الحر اعتمد سياسة الانضمام الى اللوائح عندما يكتشف ان حظوظه بالربح معدومة. والتيار لم يفز في قضاء جبيل الا ببلديات «لحفد ـ اهمج ـ جاج»، في حين فازت في باقي قرى وبلدات القضاء اللوائح المدعومة من ائتلاف عائلي أو ائتلاف 14 آذار. وفي بلدة بجه التي كانت تعتبر معقلا من معاقل التيار لجهة ان منسق التيار في القضاء من هذه البلدة، جاءت النتيجة بالكامل لصالح القوات و14 آذار.
ـ اللافت في كسروان انه في العام 2004 كانت النتيجة لمصلحة التيار، بينما النتيجة الآن هي لصالح القوات. بمعنى أدق حيث كان هناك معارك انتخابات خسر التيار في كسروان (زوق مكايل زوق مصبح حراجل عشقوت القليعات جعيتا)، والفوز الوحيد المباشر له كان في العقيبة. أما في المتن، فإن التيار لم يسجل أي انتصار الا ضمن تحالفه (اما مع الكتائب أو القوات أو ميشال المر أو الثلاثة معا).
2 ـ قراءة التيار الوطني الحر
أثبت التيار الوطني الحر انه «رقم صعب» بتأكيده اختراق خارطة جبل لبنان البلدية والاختيارية بقرابة 800 عضو مجلس بلدي من أصل 3055. وبدت غلته «حرزانة» في أول استحقاق من نوعه يخوضه منذ نشأته.
ـ كرس العونيون أنفسهم شركاء في المتن وفي جونيه وجرود كسروان، واذا كانت لخسارته مدينة جبيل أسباب تتعلق بعوامل الرشوة و«الرئاسيات»، فالربح حصده في قرى عدة من قضاء جبيل فضلا عن «معموديته» في قضاء الشوف وانتصاره في الحدث قضاء بعبدا.
(مع اشارة طريفة الى ان مختار معراب الوحيد هو «عوني» ومن آل باسيل).
ـ التيار لم يكن يتوقع الحصول على هذا الرقم (800 عضو بلدي)، وهو كان متهيبا الدخول في معترك البلديات التي تحرق أصابع من يتعاطى بها.
ـ التيار لم يخسر في جبيل، فهو حصل على النسب نفسها في الانتخابات النيابية، واذا تم احتساب عدد الشيعة والأرمن المتقارب البالغ حوالي 200 يتبين انه شكل الفارق بين الرابح زياد الحواط والأول في لائحة التيار جان لوي قرداحي والبالغ أقل من مائة صوت.
ـ أظهر التيار قوة غير تقليدية في المتن المعتاد على زعاماته (آل المر والكتائب)، وتخلي المر عن مقاعد كثيرة لكي يحتفظ بالرئاسة، وهذا دليل تراجع اما لدى الكتائب بمعزل عن بكفيا، علما ان بعض قواعد التيار لا تنظر بعين الرضا الى ائتلافات ليست سوى الا تسويات انتخابية.
ـ التيار الوطني الحر الذي دخل المعركة في وقت متأخر، استطاع ان يخوض الانتخابات البلدية والاختيارية على مساحة جبل لبنان بدءا من حدود الشوف الجنوبية مرورا ببعبدا وعاليه والمتن وكسروان وانتهاء بجبيل. ونجح في تكريس نفوذه في كسروان وبعبدا، مسجلا دخولا قويا الى بلدات عاليه والشوف، ومحافظا على نفوذ جيد في قضاء جبيل ما عدا المدينة التي لم يستطع ادارة المعركة فيها باقتدار، لاسيما ان عوامل كثيرة ادت الى خسارته في وجه لائحة «تمترس» وراءها ايضا 14 آذار ليصادروا فوزا على حساب قوى أخرى معتدلة محسوبة على رئيس الجمهورية.
ـ نسبة التصويت للوائح التي دعمها التيار الوطني الحر تساوي النسبة التي سجلها في الانتخابات 2009، بل انه سجل تقدما في بعض المناطق، مع الأخذ بعين الاعتبار ان الانتخابات البلدية تختلف عن الانتخابات النيابية في بعض النواحي، حيث يلعب العامل العائلي في كثير من الأحيان دورا سلبيا فيقسم الأصوات ويوزعها على اللوائح المتنافسة بطريقة لا تعتمد بل تتعارض أحيانا مع المنحى السياسي.
3 ـ قراءة أوساط مراقبة حيادية
ارتكب التيار الوطني الحر اخطاء في ادارة المعركة التي لم يحسن ادارتها خصوصا في جبيل والمتن. ففي جبيل، بدا التيار غير مدرك لواقع الأرض او لحجم الخصم الفعلي، وفيما كان الآخرون يخططون لكسب الأصوات غير المحسوبة بالنسبة لهم، تلهى العونيون بإرضاء هذا والوقوف عند رأي ذاك.
كما ان عون أخطأ في التصريح في احدى مقابلاته التلفزيونية عن وجود محازبين له ومناصرين، مشيرا اليهم بـ «التيار» و«العونيين»، ما أعطى للمناصرين هامشا من التصرف باللوائح وجعلهم غير معنيين بالالتزام الكامل تجاه المرشحين العونيين. يضاف الى ذلك استرخاء العونيين لواقع انسحاب ما جرى في الانتخابات النيابية على الانتخابات البلدية، خصوصا لجهة الصوت الشيعي (على الرغم من ان تحالف قرداحي والتيار ضم شيعيا) والصوت الأرمني (حيث بينت النتائج تصويت الأرمن بكثافة للائحة حواط، علما انه لم يسم أرمنيا على لائحته على عكس اللائحة المنافسة). وفي المتن أخطأ عون عندما استحضر ثلاثة من قياديي «التيار» من خارج المتن الشمالي هم بيار رفول، نعيم عون وأنطوان نصرالله وكلفهم مهمة التفاوض من أجل الائتلاف حيث ينجح والإعداد لخوض المعركة في البلدات التي يتعامل معها على أنه الأقوى والقادر على حسم النتائج فيها، وكان يفترض الاعتماد على فريق مفاوض من المتن الشمالي. كما بدا واضحا أن «التيار الوطني» لم يكن على إلمام كاف بمزاج العائلات التي أظهرت أنها القوة الضاربة في حسم نتائج معظم البلديات بخلاف مقدرة المر على استيعابها، لاسيما في ساحل المتن الشمالي ومن ثم الكتائب في المتن الأوسط.