بيروت ـ عدنان الراشد وعمر حبنجر
«الاستقرار الأمني أمانة في عنق المؤسسة العسكرية» الكلام للعماد جان قهوجي، وقد قاله خلال اجتماعه بقادة الأجهزة والوحدات الكبرى، في اطار عرض أوضاع المؤسسة العسكرية ومهماتها المرتقبة، في ظل التطورات على المستويين الوطني والعام.
هذا الكلام التطميني، أتى بعد سلسلة تطورات مفاجئة: هجوم اسرائيلي على «اسطول الحرية لغزة» وسفينة مرمرة التي رفعت العلم التركي، وسقوط قتلى وجرحى، وانتفاضة الشوارع العربية والغربية استنكارا، وصدور تصريحات محلية، بعضها يعلن العزم على تجهيز اسطول إعلامي يبحر من شواطئ لبنان، وبعضها الآخر يتحدث عن «اسطول حرية برّي» يتوجه الى غزة من بوابة الجنوب!
تغطية الجريمة بتسريع العقوبات
الحملة العالمية ضد الإجرام الاسرائيلي بحق دعاة الحرية لغزة، فاقت الاحتمال الاميركي فكان لابد من افتعال حدث عالمي يبعد الضوء عن الجريمة الاسرائيلية المدانة من قبل مجلس الأمن، فكان تسريع عرض العقوبات الجديدة ضد طهران للتصويت في مجلس الأمن من 21 يونيو الى الثامن منه، وكان الانقسام العمودي في مجلس وزراء لبنان، بين مُطالب بالتصويت ضد العقوبات، وفاء للعلاقة مع إيران، ومتمسك بالامتناع عن التصويت، تجنبا لردات فعل المجتمع الدولي، الذي هو الملاذ الأخير للبنان، عند ارتفاع الأنواء، وحلول الشدائد.
الأيدي على القلوب
هذه الأجواء الملبدة بالغموض والقلق، جعلت اللبنانيين يضعون أيديهم على قلوبهم، في وقت يتهيأون فيه لاستقبال الصيف بمغتربيه وبضيوفه المصطافين من العرب والخليجيين خصوصا.
حراس الجمهورية
في هذا الوضع، يتعين التطلع الى حراس الجمهورية، المُحرَرين من الانقسام السياسي، والمتفرغين لواجب حماية الاستقرار، حماية للدولة ومؤسساتها، من نظرات الشر الاسرائيلية.
قيادة الجيش أخذت على عاتقها تطمين الناس، واحتواء القلق، فكانت جولات العماد جان قهوجي على المؤسسات العسكرية شارحا وموضحا حقيقة الموقف المعادي، ومشددا على «أقصى درجات اليقظة والجهوزية، ليبقى الجيش دائما في مستوى الأخطار المحدقة بالوطن، والمتمثلة في العدو الاسرائيلي والعمالة له».
قوة الدولة من قوة الجيش
واعتبر العماد قهوجي «ان قوة الدولة ووحدتها، من قوة الجيش ووحدته»، وبالتالي فإن الاستقرار الملموس الذي ينعم به لبنان، هو أمانة في عنق المؤسسة العسكرية، ولا يمكن التفريط به تحت أي ظرف».
ويرى أحد الحكماء ان الدولة بمعناها التاريخي، هي أعظم إنجاز حققه الإنسان ليحمي بها كيانه الذاتي من الاعتداءات الخارجية، وان يصون مجتمعه بالقوانين والدساتير، عبر المؤسسات الديموقراطية، أو النظم المختلفة، فالقانون هو الواقي الحقيقي للدولة، كيانا ووحدة وعافية، وهو كالكريات البيض في الجسم، توفر له الحماية من أنواع الفيروسات المغيرة عليه، وتتمثل هيبة الدولة في مدى تطبيق القوانين لديها.
في عالمنا الراهن، حيث يتواجه مفهوم الدولة، مع المفاهيم المستوردة والتجاذبات السياسية الطاغية، يبقى الجيش رهان الدولة وعضدها، وهو ومعه المؤسسات الأمنية، الضوء الأحمر الذي يلزم الجميع بالتوقف. وهما الرادار الكاشف للأخطار قبل حصولها، والمجهز لعناصر الوقاية والتصدي، عند الحاجة.
مزايدات
الآن يشهد لبنان، وبعض البلدان حملة «أساطيل حرية» باتجاه غزة المحاصرة، وكان هناك توقف أمام إعلان جهات فلسطينية، عزمها اطلاق قافلة حرية باتجاه غزة من الجنوب، وعبر الجيش اللبناني واليونيفيل والقرار 1701 وأخواته!
القلق الذي ساور بعض الناس، من محاولة تنفيذ مثل هذه المغامرة، لم يسر على المراجع الرسمية المعنية، وقد نقل عن العماد قهوجي تشخيصه لهذا الإعلان، بأنه «مجرد مزايدات» على مستوى التنظيمات الفلسطينية.
وفي حديث الى ضباط القيادة دعا قائد الجيش الى استخلاص العبر مما حصل، وهو ان أفضل وسيلة لردع اسرائيل تكمن في التضامن العربي، وفي امتلاك المزيد من عناصر القوة والتمسك بالحقوق العربية المشروعة، وحث الضباط على التشبث بمناقبيتهم المعهودة وبتعميق إيمانهم بالمؤسسة التي شكلت ولاتزال ركيزة نهوض الدولة وضمانة وحدة الوطن.
الموقف العربي أساسي في كل هذا، وقد توجه اليه قهوجي بالدعوة للوحدة والتضامن في مواجهة التحديات القائمة، لأن المصير مشترك والعدو مشترك، وهو الذي يحيك الخطط والدسائس، لتحويل الأنظار عما يرتكب من مجازر مشينة.
سخط عربي ودولي
ولاحظ في حديثه الى الضباط في كلية القيادة والأركان، ان الجريمة النكراء التي ارتكبها العدو الاسرائيلي بحق ركاب اسطول الحرية، ارتدت سخطا عربيا ودوليا، وإرباكا واضحا على مختلف المستويات، وفي الوقت عينه ألقت الضوء مجددا على معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، وحق هذا الشعب في كسر قيود الحصار.
واشار في جولة له على الوحدات العسكرية في الجنوب في ذكرى مجزرة قانا، الى المحاولات الاسرائيلية المستمرة للانتقام من لبنان، تعويضا عن هزائمها بطرق وأشكال مختلفة، مؤكدا أن الجيش، وبالتعاون مع القوات الدولية رصد تحركات للعدو، واحبط نواياه التوسعية، وأجبره على العودة الى مواقعه في مناسبات عدة.
هذه الاستفزازات المتكررة تترافق دائما مع اطلاق المزاعم والتهديدات من قبل قادة الكيان الاسرائيلي ضد لبنان، بجيشه وشعبه ومقاومته، انها تأتي في سياق هروب العدو من أزماته الداخلية لتضليل الرأي العام المحلي والدولي، اضافة الى استطلاع موقف الجانب اللبناني، واستدراجه الى ردات فعل غير محسوبة.
بيد ان العماد قهوجي أبلغ العسكريين بأن هذه الاستفزازات لا يمكن ان تعدل قيد أنملة من القرار الثابت والحاسم للجيش في الدفاع عن كل ذرة من تراب الجنوب.
الوزير المر والدور الإنمائي
هذه الجهوزية العسكرية للجيش، لا تقلل من اهتمامه بالدور الانمائي والانساني المنوط به، والذي هو أيضا موضع عناية نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع الياس المر، العميق الصلة بالقيادة وبالمؤسسة والساعي دوما لتلبية احتياجات الجيش في جميع المجالات. وفي أحد لقاءاته مع العسكريين كشف العماد قهوجي عن دور الجيش في معالجة غرق الباخرة البنمية المحملة بالمواشي في الشمال، وكذلك عن المشاركة الفعالة في انتشال جثامين وحطام الطائرة الاثيوبية التي هوت في البحر قبالة شاطئ خلدة.
معالجة أزمة طياري «الميدل ايست»
في هذا السياق بالذات، كشفت مصادر مطلعة لـ «الأنباء» عن دور حاسم للجيش في التسوية التي تمت بين ادارة طيران الشرق الأوسط وطياريها، حيث وُضع الطرفان أمام مسؤولياتهما بكل جدية وحزم، فطائرات الشرق الأوسط، سفيرة لبنان الى عالم الاغتراب الواسع، ولا يجوز لأي فريق ان يحجب الأرزة الخضراء عن أنظار اللبنانيين في أصقاع الأرض، وأمام هذه المعادلة الواضحة والحاسمة خفف الطيارون من غلوائهم، فتجاوبت ادارة الشركة وهكذا أنقذت هذه الوساطة موسم الصيف الواعد من التلاشي والاضمحلال.