يترسخ اعتقاد أكثر فأكثر أن هيئة الحوار الوطني لن تصل في المدى المنظور على الأقل الى نتيجة حاسمة في مسألة الاستراتيجية الدفاعية، وهو الموضوع الرئيسي الذي وجدت من أجله، وان الحوار حول هذه المسألة سيظل يدور في حلقة مفرغة وسيمتد لفترة طويلة وبوتيرة متباعدة ومتقطعة، ومع ذلك فإن طاولة الحوار من الأفضل ان تستمر كإطار ثابت ودائم لإدارة الصراع السياسي وتقطيع «الوقت الاقليمي الضائع»، وكحل أو مخرج لمأزق الخلاف الداخلي حول حزب الله، وكأفضل جواب لبناني جاهز لدى المسؤولين اللبنانيين كل مرة التقوا فيها مسؤولين وديبلوماسيين غربيين وسئلوا عن موضوع حزب الله وسلاحه ودوره، فليس في الأمر احراجا وطاولة الحوار هي أفضل جواب، ولأن الوضع كذلك، فإن طاولة الحوار مستمرة رغم عدم جدواها حتى الآن، والتشجيع الدولي لاستمرارها مازال قائما رغم ان هذا التشجيع خرقته في الآونة الأخيرة تساؤلات وانتقادات بشأن طريقة عمل طاولة الحوار التي لم ترسل حتى الآن إشارات جدية تدل على رغبة وإرادة سياسية في الوصول الى حسم الاستراتيجية الدفاعية وإيجاد حلول لسلاح حزب الله عن طريق الحوار والتوافق.
في الجلسة العاشرة التي عقدتها هيئة الحوار الوطني في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان سجلت هذه الملاحظات والانطباعات:
1 - للمرة الأولى لا تنعقد هيئة الحوار بكامل أعضائها ولا يكون عقدها مكتملا، اذ تغيب كل من الرئيس فؤاد السنيورة والوزير محمد الصفدي ود.سمير جعجع بداعي السفر، وكلهم من فريق 14 آذار الذي كان يتوقع ويفضل تأجيل الجلسة أسوة بتأجيل حصل قبل أسبوعين بسبب اضطرار الرئيس نبيه بري للسفر. وقد ساهم غياب صقور 14 آذار في ان تكون الجلسة العاشرة «هادئة وباهتة» وان تخلو من عناصر المفاجأة والسخونة.
2 - غياب بعض أقطاب الحوار ترافق مع غياب «الاستراتيجية الدفاعية» التي لم تكن مادة بحث ونقاش وإنما جرى التطرق اليها عرضا من خلال مداخلة خطية لنائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وتوسعت دائرة الحوار في عدة اتجاهات من التهديدات والخروقات الاسرائيلية الى العلاقات مع سورية، ومن مزارع شبعا (فرعون) الى مبلغ الـ 500 مليون دولار أميركي لتشويه صورة حزب الله (حردان)، ومن حياد لبنان الى حقوق الفلسطينيين، ومن ترسيم الحدود البحرية الى موضوع الثروة النفطية البحرية، ولأن الحوار كان متشعبا ومتناثرا وتناول «شيئا من كل شيء»، فإن البيان الختامي جاء مقتضبا ولم يتضمن ايجازا وملخصا عن الموضوعات التي تمت مناقشتها.
3 - هدوء الجلسة خرقه الرئيس أمين الجميل بمداخلة تطرقت الى مسألتي المعاهدة اللبنانية ـ السورية وحياد لبنان. فقد فاجأ الرئيس الجميل الحضور بإثارته معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسورية، مشيرا الى ان تصحيح الموضوع من خلال التفاهم الثنائي هو الأفضل، لكن إذا تعذر ذلك فلا مانع من رفع الأمر إلى لجنة التحكيم الدولية في لاهاي. وبالنسبة للاستراتيجية الدفاعية، اقترح الجميل أن يصار إلى تحييد لبنان، على الأقل عسكريا وسياسيا، في المرحلة الحالية الحافلة بالأخطار الإقليمية والدولية. ووعد بتحضير طرح مفصل عن الحياد الإيجابي الذي يكفل استقرار لبنان من جهة، ولا يحول دون تضامنه مع قضايا العرب وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
التصدي للرئيس الجميل في موضوع «المعاهدة» جاء من الرئيس نجيب ميقاتي الذي اعتبر كلام الجميل حول عرض معاهدة الأخوة مع سورية على محكمة لاهاي انه أخطر ما قيل في الجلسة، وهو لا يمثل مصلحة للبنان ولا يعطي زخما للعمل الجاري لتنقية العلاقات وتصحيحها.
وفي موضوع الحياد تصدى جنبلاط للجميل بطريقة عكست توترا سياسيا بين الطرفين هو امتداد للتوتر الذي كان قد اندلع بين جنبلاط والنائب سامي الجميل في الجلسة النيابية حول موضوع حقوق الفلسطينيين.
وبعدما واجه الجميل جنبلاط وأحرجه بحديث صحافي أدلى به الأخير «في 23 فبراير 2007 الى صحيفة «النهار» ويدعو فيه حرفيا الى «تحييد لبنان في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، اذ بعد 30 عاما من الحروب والخراب والدمار، وخصوصا في الجنوب، يحق لنا القول: كفى». جاءت المساندة لجنبلاط من فرنجية الذي ذكر الجميل بتقلباته السياسية.
4 - موضوعان جديدان أضيفا الى جدول أعمال طاولة الحوار: الأول يحظى باهتمام ملحوظ من الرئيس نبيه بري ويتعلق بموضوع النفط المكتشف حديثا في المياه الاقليمية اللبنانية، وطرح بري هذا الموضوع من زاويتين: الأطماع الاسرائيلية بالنفط وضرورة مواجهتها بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ووضع الاطار القانوني لموضوع النفط (قانون النفط)... والثاني يحظى باهتمام جنبلاط، خصوصا ويتعلق بحقوق الفلسطينيين الذي سيكون عنوانا رئيسيا من عناوين المرحلة والجلسات المقبلة، ولكن ليس بمعزل عن مجمل العناوين الأخرى المتصلة به «التوطين والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات والأوضاع داخل المخيمات».
جلسة الحوار الـ 11 حددت بعد شهرين (19 اغسطس المقبل). المسافة الزمنية بين الجلسات تتسع... وكذلك الفوارق والخلافات السياسية، ولكن خارج نطاق الاستراتيجية الدفاعية.