اكتفى «حزب الله» في رده على تصريحات البطريرك الماروني مار نصرالله صفير خلال زيارته الى باريس، بإصدار بيان صيغ بعبارات منتقاة لحصر المشكلة وأخذ فيه على البطريرك صفير انه قال كلاما فيه إساءة واهانة، متوقفا عند عبارة «ما يسمى حزب الله».
وأوعزت قيادة حزب الله الى نواب ومسؤولي الحزب بعدم الدخول في سجال سياسي أو إعلامي مع بكركي والبطريرك صفير مفسحة في المجال أمام «محاولات للتوضيح والتصحيح ورأب الصدع».
ولكن الأوساط السياسية القريبة من حزب الله عكست في مجالسها ملاحظات انتقادية لحركة صفير ومواقفه السياسية، مشيرة الى النقاط التالية:
ـ تعامل البطريرك صفير بفوقية واستفزاز مع كل الأطراف المناوئة له ومساهمته عن قصد أو غير قصد في «إعادة التوتر السياسي والسجال الطائفي في لحظة مصيرية تقف فيها المنطقة على شفير هاوية متعددة الجبهات».
ـ مبادرة البطريرك صفير الى اكمال ما كانت بدأته 14 آذار وإلى ملء فراغ سياسي ناجم عن ارتباك وضعيتها بعد خروج جنبلاط منها والتزام الحريري بمتطلبات واعتبارات موقعه الجديد كرئيس للحكومة.
وتحوله بهذا المعنى رأس حربة سياسية وإعلامية ضد حزب الله وفي حملة مركزة تهدف الى تصويره مصدر خطر على لبنان ونظامه، وإلى إظهار المقاومة عامل انقسام وخلاف بين اللبنانيين.
ـ التعارض مع انجازات تحققت خلال العام المنصرم من قيام حكومة الوحدة الوطنية والبيان الوزاري الذي أفرزته ومصالحة الحريري مع سورية، وصولا الى معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي يعمل لها الرئيس سليمان.
ـ لقاء صفير في باريس مع الموفد الدولي تيري رود لارسن المعروف بتوجهاته العدائية ضد حزب الله وسورية. وهذا (إضافة الى تشابه كلامه مع تصريحات فيلتمان) ما يسهم في تعزيز الشكوك حول موقع البطريرك صفير وارتباطه بمشروع دولي مناهض لحزب الله، وحول العلاقة بين ما قاله من كلام تصعيدي في باريس وما سمعه هناك من لارسن ومسؤولين فرنسيين.
ـ التزامن بين زيارة البطريرك صفير المعدة سابقا الى باريس وزيارة د.سمير جعجع التي لم تكن مقررة من قبل. والتقاطع في موقفهما ازاء حزب الله.
ولكن المسألة التي تثير استياء وغضب حزب الله وجمهوره، وتشاركه في هذه المشاعر أوساط ودوائر شيعية غير مرتبطة به وتكن كل تقدير واحترام للبطريرك صفير وتستغرب ما صدر عنه أخيرا، هي المتعلقة بكلامه عن المقاومة وعن الشيعة كطائفة ومجموعة.
وفي التفاصيل أدلى البطريرك صفير بحديث الى قناة تلفزيونية شكك فيه بوطنية حزب الله وانجذابه الى إيران متهما إياه بأن روابطه الدينية لا تلبث ان تصبح سياسية. وفي هذا الكلام عن الشيعة بأن مرجعيتهم الدينية السياسية في ايران ويأتمرون بأوامرها، ما يعتبره حزب الله وآخرون انه يعكس «تشكيكا بلبنانية الشيعة ووطنيتهم وولائهم»، وانه يثير مشاعر الطائفة الشيعية ويغذي حالة من التحريض ضدها.
فإذا كان البطريرك صفير حرا في نظرته الى حزب الله ورأيه فيه وله ملء الحق والحرية في طرح هواجسه، فإن لا مصلحة للبطريركية المارونية في خلق انقسام داخلي وان تكون طرفا وان تدخل في نزاع وخلاف مع الطائفة الشيعية.
وترى هذه الأوساط الشيعية ان ثمة مشكلة متفاقمة بين البطريركية المارونية والطائفة الشيعية تستدعي معالجة جدية وفورية نظرا لانعكاساتها السلبية والمدمرة على العيش المشترك المسيحي ـ الاسلامي، وخصوصا بين الموارنة والشيعة، فلا البطريرك صفير بحكم موقعه يمكنه ان يقول انه يعبر عن رأي شخصي، ولا الشيعة قادرون على الفصل بين البطريرك الماروني ومن وما يمثل، كما ليس في امكانهم التغاضي عن مواقف متراكمة يشعرون بأنها تستهدفهم وتعنيهم من كلام صفير السابق عن الخطر على الكيان والهوية العربية والديموقراطية العددية (أكثرية تحكم)، الى الكلام عن ارتباط الشيعة بإيران دينيا وسياسيا وولائهم لها.