ليس في تقديرات وتقارير الدوائر الديبلوماسية في بيروت ما يشير الى «أخطار وتطورات داهمة»، أي خلال فترة الصيف الحالي، ولكن الصورة تصبح على قدر عال من التشويش والغموض مع حلول شهر سبتمبر. ليس هناك ما يمكن توقعه وحدوثه قبل سبتمبر، ولكن بعد ذلك لا يمكن تقدير ما سيكون عليه الوضع مع الدخول في مرحلة إقليمية جديدة، وحلول موعد الاستحقاقات الإقليمية المتدافعة والمتشابكة فيما بينها.
هذا الشهر يحدد سقفا زمنيا لمرحلة انتهت وأخرى ستبدأ، وينظر إليه كمحطة توقف رئيسي في ختام مسار ترقب وانتظار، لأنه «شهر الاستحقاقات الإقليمية» ولأن الكثير من الملفات والمسارات في المنطقة تتضح وجهتها ويتحدد خط سيرها ابتداء من سبتمبر، وتحديدا النصف الثاني منه، امتدادا حتى نهاية شهر أكتوبر حيث ستكون الأجندة الإقليمية والدولية مزدحمة بالمواعيد والاستحقاقات التالية:
1- تنتهي مهلة الأشهر الأربعة التي حددتها جامعة الدول العربية كغطاء للفلسطينيين في تفاوضهم غير المباشر مع اسرائيل، ويحين موعد تقييم ما تحقق ومدى امكانية حصول تقدم أو اختراق فعلي.وفي هذا الشهر أيضا تنعقد القمة العربية الاستثنائية التي من المفترض ان يتخللها موقف من «المبادرة العربية للسلام» (اضافة الى خطة تطوير الجامعة العربية)، وبحث امكانية التوجه الى مجلس الأمن لإعلان دولة فلسطين على أساس حل الدولتين بقرار دولي.
2 - تنتهي مدة الأشهر العشرة التي أعلنت اسرائيل وقف الاستيطان خلالها ما يعيد أجواء الخلاف الاسرائيلي - الفلسطيني (العربي) حول موضوع الاستيطان ويعيد عملية بناء الثقة التي تتولاها الادارة الأميركية الى نقطة الصفر و«مربع الاستيطان»، خصوصا ان شهر سبتمبر حدد موعدا للانتقال من التفاوض غير المباشر الى «التفاوض المباشر».
3 - حتى شهر سبتمبر تكون مفاعيل ومضاعفات قرار العقوبات على ايران (1929) توضحت وتحددت بحيث يكون بالإمكان اجراء عملية تقييم أولي لجدوى هذه العقوبات ومدى تأثيرها على موقف ايران وحملها على اظهار مرونة وتقديم تنازلات، وبالتالي امكانية وقدرة ان يكون «خيار العقوبات» بديلا عن خيار الحرب الموضوع في أسفل لائحة الخيارات وتخشى أميركا وأوروبا والخليج تداعياته العسكرية والأمنية والاقتصادية. كما ان من المفترض خلال الشهرين المقبلين ان تتبلور خطة ايران للرد على قرار العقوبات وان تحدد وجهة موقفها اما في اتجاه «مرونة حوارية» أو في اتجاه «نزعة تصعيدية» في المنطقة واشعال بؤر التوتر والملفات الساخنة.
4- يحدد سبتمبر سقفا زمنيا لتشكيل الحكومة في العراق، وبالتالي نقطة تحول في تحديد مسار الوضع العراقي بين العودة الى العملية السياسية أو انفلات الوضع في الشارع والفوضى من جديد. والاعتقاد السائد في بغداد ان عملية تشكيل الحكومة ستستغرق 3 أشهر اضافية ومؤجلة الى ما بعد شهر رمضان المبارك في ظل اتساع الهوة بين القوى والتكتلات السياسية الطائفية واشتداد «الكباش» الأميركي - الايراني.
5- ابتداء من سبتمبر تدخل الادارة الأميركية في فلك الانتخابات النصفية للكونغرس، وهي الانتخابات التي تشكل استفتاء شعبيا مباشرا على «عهد أوباما»، وتحدد امكانية انتخابه لولاية رئاسية ثانية.
وهذا الاستحقاق الأميركي يعني المنطقة من ناحيتين: انكفاء واشنطن على وضعها الداخلي، وتحرر اسرائيل نسبيا وظرفيا من ضغوط وقيود واشنطن التي تتبع في الفترة الانتخابية وقبلها سياسة «غض الطرف» تجاه اسرائيل حتى سياسة «مسايرة ودعم». ومع حلول الانتخابات النصفية، سيكون الرئيس باراك أوباما مضطرا مع دخوله النصف الثاني من ولايته الى التصرف واتخاذ مبادرات وقرارات قبل ان تدهمه حسابات العد العكسي لنهاية الولاية.
6- تحدد فترة «سبتمبر - أكتوبر» كموعد لصدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي لا يعني لبنان فقط في مفاعيله وآثاره، وانما يكتسب صفة «الحدث الاقليمي» تماما مثل الصفة التي أعطيت لعملية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. ومع اقتراب الموعد المفترض لصدور الحكم، ترتفع حمى التوقعات في بيروت بين 3 أفرقاء: فريق يراهن على ان يذهب القرار الاتهامي في اتجاه اتهام حزب الله، وفريق يحذر من أي منحى للأمور في هذا الاتجاه ومن العواقب، وفريق ثالث يدعو الى التحوط من الآن لكل الاحتمالات وتحصين الجبهة الداخلية لتكون قادرة على التعامل مع أي تطور وتلافي أي انعكاسات محتملة.
باختصار، الوضع حاليا يوصف بأنه «دقيق وغامض».
فالهدوء المخيم في الشرق الأوسط حاليا يمكن ان يكون «هدوء ما قبل العاصفة»، كما ان من الممكن ان تكون الغيوم التي تتلبد في سماء المنطقة «غيوم صيف» تمر من دون ان تحمل عاصفة وأمطارا.
وأيا تكن الاحتمالات، تفجيرا ومواجهة أو تهدئة ومفاوضات، فإن لبنان المطمئن في ظل حكومة الوحدة الوطنية «الهشة» الى وجود «فترة سماح» اقليمية تحمي استقراره الداخلي، عليه ان يستفيد من هذه الفترة المتاحة لإنجاز ملفات داخلية عالقة، وان يستعد لمرحلة جديدة تبدأ مع بداية الخريف المقبل، مرحلة تزدحم فيها الملفات والاستحقاقات وتعلن انتهاء فترة السماح والانتظار وابتداء فترة القرارات الصعبة.