عادت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبقوة الى دائرة الضوء والاهتمام في ضوء 4 تطورات استجدت أخيرا:
ـ توقيف موظف في احدى شركتي الهاتف الخليوي بتهمة التعامل مع اسرائيل ونقل معلومات حساسة اليها. وعلى الفور دخل هذا التطور على خط المحكمة الدولية والتجاذبات الداخلية حولها، وحصل تقاطع بين خط سير المتهم بالتجسس ومسار التحقيق الدولي، استنادا الى فكرة لدى فريق المعارضة مؤداها ان كل ما قامت به لجنة التحقيق الدولية يتأسس على اتصالات أجريت من مجموعة من الخطوط اللبنانية، وان التلاعب بالاتصالات الهاتفية وتزويرها يؤثر على صدقية التحقيق وكل ما توصل اليه من استنتاجات في المرحلة الماضية، ويعزز الاعتقاد بدخول اسرائيل على خط الجريمة. وردت قوى 14 آذار بأن هناك تضخيما متعمدا لموضوع الجاسوس الاسرائيلي، واستباقا لنتائج التحقيق معه، والتفافا على عمل المحكمة الدولية.
ـ تحديد جلسة استماع (ادارية) في 13 يوليو الجاري في مقر المحكمة الدولية في لاهاي للبحث في طلب تقدم به اللواء جميل السيد للاطلاع على وثائق من التحقيق في اطار حربه المفتوحة على شهود الزور، وللحصول على ما يؤكد ان اعتقاله كان نتيجة وشايات كاذبة وشهادات مزورة... وستكون هذه الجلسة عبارة عن مواجهة بين اللواء السيد ومدعي عام المحكمة الدولية القاضي بلمار، وعلى كل طرف ان يقدم ايضاحات وحججا قانونية لبعض النقاط الأساسية حول صلاحية المحكمة وحق مقدم الطلب في الحصول على وثائق وأدلة... ومع ان هذه الجلسة «خاصة»
وجانبية، الا ان مفاعيل تترتب عليها يمكن ان تؤثر على مسار التحقيق وان تكون نقطة تحول في هذا المسار.
ـ تقارير ومعلومات وصلت الى مسؤولين لبنانيين تفيد عن تقدم كبير حصل في التحقيق الدولي وأحرزه فريق عمل بلمار، اذ تمت الاضاءة على الكثير من النقاط التي كانت غامضة، وتحولت المعلومات و«الخيوط» التي كانت متوافرة الى أدلة ثابتة وقاطعة وملئت الفراغات التي كانت موجودة وجرى تصنيفها.
ـ التصريح المريب الذي أدلى به رئيس أركان الجيش الاسرائيلي كابي أشكينازي في الكنيست (أمام لجنة الأمن والخارجية) وفيه حدد شهر ديسمبر المقبل موعدا لصدور القرار الظني من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، متوقعا ان الوضع في لبنان يمكن ان يتدهور على خلفية ذلك القرار. وفي الواقع فإن هذا التصريح أثار جملة تساؤلات وشكوك: كيف لمسؤول اسرائيلي ان يعرف، اذا كان التحقيق سريا وغير مخترق، موعد صدور القرار الظني ومضمونه ووجهته الاتهامية؟ ولماذا يتوقع انفجار الوضع في لبنان بعده؟ وهل موعد صدور قرار المحكمة الدولية هو فقط موعد التدهور داخل لبنان، أم أيضا موعد اعلان الحرب عليه من جانب اسرائيل، فيكون هذا التوقع بمثابة رهان اسرائيلي على قرار ظني يشعل فتنة داخلية في لبنان تمهد لهجوم اسرائيلي بعد كشف ظهر حزب الله داخليا وسياسيا، أو تكون الفتنة بديلا عن الحرب؟
مما لا شك فيه ان أقوال أشكينازي تخدم الحملة ضد المحكمة الدولية وتؤججها استنادا الى دخول اسرائيلي واضح على خطها وفي اتجاهات «الفتنة الداخلية». وهذه الحملة بدأت بعد الموقف الاسرائيلي تأخذ منحى تصاعديا و«تهديديا» وتتراوح بين الدعوة الى تحصين الجبهة الداخلية في مواجهة الاختراق الاسرائيلي للساحة اللبنانية عبر «ثغرة» المحكمة الدولية، والتنبيه والتحذير من منحى وعواقب أي قرار اتهامي يأتي متناغما مع التسريبات الجارية ويتضمن اتهاما ضد حزب الله على أي مستوى كان، عناصره، كوادره أو قيادته. ومن الواضح ان لبنان يقف جديا ومجددا أمام «استحقاق امتحان» هو امتداد للمرحلة السابقة التي لم تطو كل صفحاتها، وسيكون أمام امتحان لقدرة الحفاظ على وحدته واستقراره ومكتسبات العامين الماضيين والتقدم الذي أحرز بعد اتفاق الدوحة. ومن الواضح أيضا ان التوترات والملفات الساخنة تحشر في زوايا الوضع اللبناني الدقيق والهش بالتزامن مع تلبد الغيوم في سماء المنطقة منذرة بهبوب العاصفة... وكل ذلك يجعل لبنان يقف من جديد عند باب «غرفة العناية الفائقة»، فإما ان يدخل مجددا اليها اذا عاد الى وضع ما بين عامي 2006 - 2008، وإما ان يبقى خارجها اذا عرف حكامه وقياداته كيف يحافظون على وضع ما بين 2008 - 2010، وكيف يمررون هذا القطوع باستباق ما تخبئه المرحلة المقبلة وتحديد طريقة التعاطي مع كل احتمالاتها وسلبياتها من الآن.