بيروت ـ عمر حبنجر
عكس بيان مجلس الأمن الدولي حول الأحداث في الجنوب وتأكيداته على ثوابت القرار 1701، ارتياحا على مستوى السلطات اللبنانية، وإذا لم تصدر تنويهات بالصوت العالي، كما يفترض البعض، فإن السكوت يحسب عادة من علامات الرضا.
وطبقا لمصادر واسعة الاطلاع لـ «الأنباء» فان الرئيس ميشال سليمان لم يكتم استياءه من التعرض للدوليين في جنوب لبنان، ومن دون توجيه اللوم لأحد، لا الى اليونيفيل ولا الى «الأهالي» الذين تم تعليق ما جرى على شماعتهم.
كما لم يكن الرئيس نبيه بري راضيا عما حصل، وقد وجه في مجالسه الخاصة انتقادات محددة، فيما جاهر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بالغضب لما حصل، ودلت اتصالاته الداخلية والخارجية على انه كمن في فيه ماء، لكن حراكه الخارجي كان مثمرا.
وحتى سورية، التي وصلت في حوارها مع الأميركيين والأوروبيين الى الطريق المسدود، رغم المساعي السعودية – المصرية، فإنها ترفض وصول «الأهالي» الى الاصطدام مع اليونيفيل في جنوب لبنان، خلافا للأولويات الإيرانية كما تزعم المصادر لـ «الأنباء».
ومن هنا كان لحزب الله والحلفاء في أحزاب 8 آذار، وجهة نظر مختلفة الى حد ما، يمكن ادراج تصريحات رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، في خانة التعبير عنها، حيث انه اعتبر ما جرى في الجنوب وردود الفعل التي حصلت يهدف الى الترويج لسياسة الغرب والى انتزاع مبادرة القوة من أيدي أصحاب المقاومة والممانعة في هذا البلد.
واعتبر رعد ان حزب الله حنط المشروع الاسرائيلي على مدى السنوات الأربع الماضية من حرب يوليو حتى الآن.
وقال: إذا كان المطلوب من الاسرائيلي ان يحسب حسابا 100 مرة قبل ان يعتدي على لبنان فقد صار مضطرا بعد حرب يوليو الى ان يحسب مليون حساب قبل ان يشن حربا على بلدنا.
غير أن اذاعة «النور» الناطقة بلسان حزب الله أبرزت تصريحات لرئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعد لقائه وفد الكونغرس الاميركي يرى فيها ان الاحداث الجنوبية الاخيرة لطخت سمعة الدولة اللبنانية وأضرت بمصالح اللبنانيين الاقتصادية، بحسب جعجع الذي نقل عن الوفد الاميركي ان العقوبات ستزداد على ايران.
ووصف جعجع في حديث لصوت لبنان: الدولة اللبنانية بدولة «أبوملحم» نسبة الى الفنان اللبناني الراحل والمشهور بمبادراته الاصلاحية بين الناس.
وقال ان دولتنا لا تدري بما يجري على أرضها، وانها تكتفي بالتدخل كطرف مصلح بين الآخرين.
وتطرق جعجع في حديثه الاذاعي الى الاحداث الاخيرة في الجنوب، مؤكدا ان ما حدث في الجنوب «غير مقبول»، وأضاف: «لا نرضى بتحويل لبنان الى أرض للفوضى»، لافتا الى ان الاهالي في قرى الجنوب، حيث مسرح الاحداث، مؤيدون لحزب الله. وقال: اذا استعرضنا ما حدث في الجنوب، يتبين ان دولة «أبوملحم» تلعب دور الحكم على أرضها، وهذا ما ينتقص من هيبتها، لافتا الى ان القوى «المشاركة في اليونيفيل، والتي جرى استهدافها، هي صديقة تاريخية للبنان»، وسأل: فلماذا نستعديها؟
وردا على سؤال بشأن موقف نائب «حزب الله» الاخير نواف الموسوي بشأن النوايا الفرنسية تجاه لبنان، رأى جعجع ان فرنسا من اكثر المتمسكين بالسيادة اللبنانية ودعم الاقتصاد اللبناني ومصلحة لبنان، مشيرا الى انها «لم تتصرف الا على هذا الاساس، وهي معتبرة انها منحازة للعرب»، وأضاف: من يرفض الانتداب تاريخيا هو نحن. هل للنائب الموسوي ان يفسر لنا كيف تحولت قوات اليونيفيل الى قوات انتداب؟
وردا على سؤال بشأن زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى لبنان، قال جعجع: نرحب به في بيروت طالما يأتي بناء على دعوة رسمية، وطالما العلاقات بين ايران ولبنان من دولة الى دولة.
على أي حال مع دخول الوضع الجنوبي مرحلة التطبيع مجددا، بين «اليونيفيل» و«الاهالي»، تأمل الحكومة اللبنانية، عدم تكرار ما حصل، وفق ما ابلغها مايكل ويليامز. الذي رأى انه من غير المقبول ان يتعرض الجنود الذين أرسلتهم دولهم تطبيقا لالتزامات الامم المتحدة لتوفير الأمن والاستقرار للبنان، للرشق بالحجارة، وقال ان هذا الامر لا تقبله الامم المتحدة ولا الدول التي أرسلت جنودها الى لبنان. وكان مندوب فرنسا لدى مجلس الامن جيرار ارود الذي صاغ بيان المجلس، نفى بعد الجلسة ان تكون قوات اليونيفيل، وبالذات الفرنسية منها قد تصرفت بشكل غير سليم في جنوب لبنان، واشار الى ان تحركات اليونيفيل كانت منسقة تماما مع القوات المسلحة اللبنانية مسبقا وقبل بضعة اشهر وتم ابلاغ السكان المحليين بها واكد ان الجنود الفرنسيين لم يأخذوا صورا ولم يدخلوا ممتلكات خاصة.
وفي السياق التنسيقي المقرر زار قائد الدوليين الجنرال الاسباني البرتو اسارتا كلا من المدير العام للأمن الداخلي اللواء اشرف ريفي، ثم المدير العام للامن العام اللواء وفيق جزيني، بهدف لملمة الوضع والتقى وزير الدفاع الياس المر.
وكان مجلس الامن الدولي طالب باحترام حرية تحرك القوات الدولية في جنوب لبنان، مبديا اسفه الشديد للحوادث التي تعرضت لها هذه القوات في 29 من يونيو الماضي وفي الثالث والرابع من يوليو الجاري.
المجلس الذي لم يأت على ذكر الانتهاكات الاسرائيلية اليومية لحدود السيادة اللبنانية دعا في بيانه الذي صدر بالاجماع كل الاطراف الى السهر على حرية تحرك اليونيفيل بموجب التفويض المعطى لها، مع قواعد الاشتباك كما شدد على اهمية زيادة عديد الجيش اللبناني في الجنوب.
هذا التجاهل جعل الرئيس ميشال سليمان يشدد على ضرورة ان تمارس الادارة الاميركية ضغوطها على اسرائيل من اجل الزامها بالانخراط في عملية التسوية لان الفرصة مواتية وضياعها يعني انفتاح المنطقة على شتى الاحتمالات.
سليمان تحدث بذلك الى وفد من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي برئاسة السيناتور روبرت كيسي الذي زار ايضا رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الرئيس سليمان استقبل ايضا سفير ايران غضنفر ركن ابادي مع وفد من عائلات الديبلوماسيين الايرانيين الاربعة الذين اختطفوا منذ نحو 25 سنة حيث املوا متابعة العمل لكشف مصير هؤلاء الديبلوماسيين.