«الغموض» سيد الموقف في لبنان هذه الأيام: بعد الاثارة الغامضة وغير المفهومة، توقيتا وطريقة على الأقل، لموضوع الحقوق الفلسطينية، وبعد التوتر الغامض وغير المفهوم جنوب الليطاني بين القوات الدولية و«الأهالي» وما انتهى على الطريقة اللبنانية من «مصالحات»، انشغلت الأوساط كافة في لبنان بحادث غامض وغريب ومثير في طبيعته «الأمنية»، وأيضا في تداعياته «السياسية»، وهو حادث العثور في طائرة ركاب سعودية حطت في الرياض منتصف ليل الجمعة السبت الماضي قادمة من بيروت على جثة شاب في حجرة عجلات الطائرة، وتبين انه شاب لبناني يدعى فراس حيدر «عشرون عاما من بلدة مركبا الجنوبية، ويقطن في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية» جرى التعرف عليه من الصورة التي أرسلت من السلطات السعودية واطلع عليها أحد أشقاء القتيل الذي ذكر انه يعاني من اضطرابات نفسية وعصبية، وتزامن هذا التطور مع طلب رئيس جهاز أمن المطار في بيروت العميد وفيق شقير اعفاءه من مهمته. في الواقع تفاعل هذا الحادث على أكثر من مستوى وطرح جملة تساؤلات، الاجابة عن بعضها تنتظر انتهاء التحقيقات، فيما يرجح ان يظل معظمها من دون اجابات شافية ومقنعة، ومن هذه التساؤلات:
1 - كيف نجح هذا الشاب في الوصول الى مدرج المطار، وكيف تسلل الى الطائرة في ظل اجراءات وكاميرات المراقبة؟ ألا يشكل هذا «التسلل الاختراق» ثغرة أمنية تطرح بقوة أمن المطار والمسافرين وأمن الطائرات الخاصة والسياسيين؟
2 - كيف جرى الأخذ بواقعة «اضطرابات نفسية وعصبية» يعانيها فراس حيدر المتهم أيضا بتعاطي المخدرات، من دون الاستناد الى معلومات وتقارير موثقة؟ وهل يمكن لشخص يعاني اضطرابات نفسية ان يكون، وبشهادة أصدقائه ومعارفه، متفوقا في علومه وان يتقدم الى امتحانات رسمية في المعلوماتية والمحاسبة، وان يتقدم بطلب رسمي للانخراط في قوى الأمن الداخلي؟ وكيف يكون لهذا الشخص الذكاء الكافي والكامل للوصول نحو الطائرة كي ينهي ذكاءه بانتحار نفسي، أو كيف يكون قد جرى مساعدته للتسلل من أجل ان ينتحر؟ أم ان هذا الشاب بادر من تلقاء نفسه الى ركوب الطائرة بدافع الانتحار أو الى ركوب المغامرة والهرب من واقعه وضائقته الاجتماعية والمالية؟
3 - هل طلب العميد وفيق شقير اعفاءه من مهمته ومنصبه كرئيس لجهاز أمن المطار يعني انه قدم استقالته أم يعني انه وضع الكرة في ملعب وزير الداخلية زياد بارود ليحدد كيف يرد على هذا الطلب قبولا أو رفضا؟ ولماذا لم يقدم شقير استقالة صريحة ليفسح في المجال أمام «اقالة ضمنية»؟
4 - هل سيعفي الوزير بارود رئيس جهاز أمن المطار من مهامه وهو الذي يرى في شقير ضابطا ناجحا ويتمتع بانضباط ومناقبية، ويرى في تصرفه بطلب اعفائه خطوة شجاعة تنم عن استعداد لتحمله مسؤولية معنوية؟ أم ان وزير الداخلية لا يريد استباق نتائج التحقيق لتحديد المسؤوليات التي لا تقتصر على جهاز أمن المطار وانما تشمل في ظل تداخل المسؤوليات والصلاحيات، مواقع ومراكز قوى وشركات صيانة وتجهيز؟
5 - ما موقف الطرف السياسي المعني مباشرة بـ «أمن المطار وجهازه»، أي الطرف الشيعي وخصوصا حزب الله؟ وهل يمر اعفاء العميد شقير من مهامه بهذه السهولة وهو الذي كان قرار اقالته على يد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «5 مايو 2008» سببا من أسباب اندلاع حوادث 7 مايو متزامنا آنذاك مع صدور قرار تكليف الجيش نزع شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله؟
6 - لماذا بدأت التفاعلات السياسية وبوادر التوظيف السياسي لهذه الحادثة بالظهور وسط اتجاهات متضاربة: هناك «حركة أمل» من بادر الى تحريك موضوع هيئة الطيران المدني والاسراع في تشكيلها، وهناك «أوساط 14 آذار» من دعا الى تحريك موضوع مطار رينيه معوض في القليعات والاسراع في تشغيله في ظل استمرار مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت على حاله الأمنية وتحت سيطرة حزب الله، وهناك من يدعو الى فتح موضوع الأجهزة ورؤسائها وملف التعيينات الأمنية انطلاقا من هذه الحادثة.