تسمر اللبنانيون أمام شاشات التلفزة التي قطعت كلها برامجها لتنقل مؤتمرا صحافيا للسيد حسن نصرالله وصف بـ «الطارئ والمهم»، ونظر إليه كمؤشر الى اتجاهات الوضع وتطوره في المستقبل القريب. ولكن المؤتمر الصحافي لم يكن استثنائيا في أهميته وبدا ان السيد نصرالله لم يقل كل ما كان أعد قوله وأرجأ الكلام الأهم الى إطلالة ثانية قريبة ضمن مسلسل خاص بـ «القرار الظني» يقدم على حلقات ولا يفتقر الى عناصر التشويق والإثارة. وربما يكون تأجيل الكلام الأهم والأخطر تقف وراءه عملية اتصالات أدت الى تبريد الأجواء الساخنة من دون ان تحل المشكلة، وقيل انها جرت على مستويين: اتصالات بعيدة عن الأضواء بين حزب الله (الحاج حسين خليل) والرئيس سعد الحريري، واتصالات بين سورية والسعودية كونهما معنيتين مباشرة بالاستقرار والوضع في لبنان الموجود حاليا تحت مظلة التفاهم السوري ـ السعودي.
السيد حسن نصرالله حافظ على مضمون متشدد وحازم ولكن بأسلوب أكثر هدوءا وأقل انفعالا قياسا بخطابه الأخير، فظل متمسكا بتوقعات قاتمة لمرحلة حساسة ومعقدة دخلها لبنان ولقرار ظني مكتوب وجاهز ولا ينقص إعلانه إلا التوقيت السياسي. وبدا متحفظا بشدة في الحديث عن ردة فعل حزب الله على قرار ظني يتهم عناصر منه، فلم يعط اشارات مطمئنة بالنسبة الى مصير الحكومة في هذه الحال، وأوحى كلام سماحة السيد بان ردة فعل حزب الله تتوقف الى حد بعيد على موقف الرئيس سعد الحريري، وان الكرة هي الآن في ملعب رئيس الحكومة.
ويمكن وصف المؤتمر بأنه رسالة مفتوحة الى الرئيس سعد الحريري الذي حضر في كل مفاصل المؤتمر حتى عندما كان نصرالله يوجه كلامه الى 14 آذار كان الحريري معنيا بهذا الكلام، وعندما تحدث عن الماكينة الاعلامية التي كانت جاهزة بعد اغتيال الحريري لاتهام سورية وهي جاهزة الآن لاتهام حزب الله، وعندما ذكر بممارسات السنوات الـ 4 العجاف التي كادت ان توصل البلاد الى حرب أهلية من اتهام وعداء لسورية وفبركة شهود الزور الى اعتقال الضباط الى التحريض على الشيعة والمعارضة السنية والعماد عون. وأيضا عندما تحدث عن شجاعة جنبلاط في إجراء مراجعة حقيقية ونقذ ذاتي والاعتراف بالأخطاء كأنه يدعو الحريري الى فعل الشيء نفسه، وحيث لا يكفي ان نزور سورية من جديد ونقول اننا نريد علاقة جيدة معها. وفي توجه مباشر الى الحريري قال نصرالله: «الحريري أهل للمسؤولية ورجل موقف ويقدر ان يتصرف ويعرف كل الجلسات التي صارت بيني وبينه في العمق، وأنا كنت أقول له دائما انتبه للتحقيق والفبركة واللعب بالتحقيق وان يستغل التحقيق والمحكمة لأهداف سياسية أنت لا علاقة لك بها ونحن وأنت يمكن ان نكون من ضحاياها. ولا شك ان موقف كلينا سيكون صعبا وكل واحد يجب ان يدرس ما هي المصلحة الوطنية التي تقتضي الموقف الذي يأخذه».
ولكن ما المطلوب من الحريري وأي موقف ينتظره حزب الله منه؟
في مؤتمره، قال أمين عام حزب الله ان الحزب معتدى عليه وفي حال دفاع عن النفس في مواجهة قرار ظني سيصدر بين سبتمبر وأكتوبر لا يتهم سورية وحلفاءها في لبنان وسيتجه الى مجموعة من حزب الله، كاشفا انه بنى موقفه على ما أبلغه إياه الرئيس سعد الحريري قبل سفره من واشنطن في لقاء خاص، وكان يتكلم من موقع الحرص على حماية البلد وقال لي: يا سيد في شهر كذا سيصدر قرار ظني يتهم أفرادا من حزب الله وهم جماعة غير منضبطين وسأقول ان الحزب لا علاقة له بذلك.
إذا كان الحريري يرى السبيل الى تجنب الفتنة والخروج من المأزق المشترك يكون عبر مخرج الفصل بين العناصر والقيادة وهو مستعد للإعلان انه لا علاقة لحزب الله وللشيعة بهذه الجريمة، وان من نفذها عناصر غير منضبطة مخترقة ولم تتلق أوامرها من القيادة. فإن نصرالله يقول انه لا يبحث عن تسويات ومخارج ويرى ان السبيل الى ذلك يكون في الوقوف صفا واحد لمنع الاعتداء على المقاومة ولبنان من دون تحديد الترجمة العملية لذلك وما اذا كان الأمر يتطلب اعلانا من الحكومة انها ترفض قرار المحكمة ولا تتعاون في مجال تطبيقه، أو تغييرا في مسار القرار ومضمونه قبل ان يصير واقعا وأزمة، أو تأجيلا لصدور القرار وصرف النظر عنه اذا كانت المصلحة الوطنية تقتضي ذلك.