الإجماع المسيحي على المواقف من اقتراحات النائب وليد جنبلاط حول الحقوق الفلسطينية لم يترجم بتنسيق مشترك جامع. فالقوات اللبنانية نسقت مع تيار المستقبل الذي بدا في موقف محرج، إذ لا يستطيع التنصل من التزامه بالقضية الفلسطينية من جهة ولا إغضاب حلفائه من جهة ثانية. في موازاة ذلك، غردت «الكتائب» خارج السرب الآذاري، من دون أن تقطع اتصالها معه، فتشاورت ثنائيا مع التيار الوطني الحر، قبل أن تستضيف لقاء تشاوريا في البيت المركزي في الصيفي ضم شخصيات وأحزابا مسيحية عدة. وعن إمكانية تطور التنسيق الثنائي حول الورقة الفلسطينية، والذي جمع حزبي الكتائب والتيار الوطني الحر منذ أيام في مجلس النواب، إلى تحالف سياسي تدريجيا، يوضح المستشار السياسي لرئيس حزب الكتائب سجعان قزي «أننا لا نهدف إلى نسج أي تقارب جديد على حساب العلاقة مع حلفائنا»، لافتا إلى أن «ما يجمعنا مع «القوات» يجمعنا مع «التيار» فما المانع إذن من لقاء ثلاثي حول مواضيع عدة كالموضوع الفلسطيني».
تخطو العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الكتائب منذ فترة خطوات نوعية ومتقدمة لم تعرفها في تاريخها القريب، وبعد ان كانت العلاقة متوترة في الماضي وغير قابلة للنقاش في شأن تطويرها، حيث ان الخلافات السياسية والتباينات عصفت وفعلت فعلها بين الحزبين المسيحيين، فلم تقبل الكتائب بمصالحة التيار في زمن المصالحات التي أجراها الحزب وشملت أخصام الأمس عند المسيحيين وغير المسيحيين، والتيار وضع فيتوات على مصالحة الحزب الذي وصل أركانه الى حد تحميل التيار دم الشهيد بيار الجميل، بعد ان خاضا دورتين انتخابيتين نيابيتين وانتخابات بلدية في معسكرين متناقضين في الموقف والاصطفاف السياسي.
وتقول مصادر مطلعة ان قطار المصالحة بين التيار والكتائب انطلق، وان وجهات النظر المتقاربة في موضوع الحقوق الفلسطينية مهدت الطريق أمام الحزبين للتفاهم على مجموعة عناوين، مشيرة الى انه وقبل قوانين الحقوق المدنية للفلسطينيين، تلاقى العونيون والكتائبيون حول عدة قضايا تشريعية مثل إلغاء الطائفية السياسية وخفض سن الاقتراع.
وشهدت الانتخابات البلدية تنسيقا بين محازبي الطرفين في عدة مناطق وخصوصا في البترون.
وكان للتناغم بين نواب تكتل التغيير والإصلاح ونواب الكتائب خلال مناقشة الملف الفلسطيني على ضوء المشروع الجنبلاطي أثره على غير صعيد، بحيث سطع نجم التناغم عبر سلسلة اجتماعات بين الطرفين جرت في البدء بعيدة عن الأضواء، وانطلقت دون تحضير مسبق لتصبح لاحقا برعاية قيادات الطرفين أي العماد عون والرئيس الجميل. وكانت اللقاءات تكثفت بين النائبين المتنيين سامي الجميل وابراهيم كنعان بعضها في المجلس النيابي وبعضها بين منزلي كنعان والجميل، بعضها يبحث قضايا لجنة الادارة والعدل وبعضها يتوسع أكثر في بحث مجموعة عناوين تعني الطرفين.
وتوسعت اللقاءات الثنائية لتشمل لاحقا قياديين آخرين في التيار والحزب (جبران باسيل، آلان عون، ألبير كوستانيان، سيرج داغر...).
وفي حين ترى مصادر مراقبة ان التنسيق العوني الكتائبي حول الورقة الفلسطينية قد يتحول الى تحالف سياسي تدريجيا، خصوصا ان ثمة جانبا ايجابيا في العلاقة بين الطرفين هو الا ماضي دموي بينهما ولا تصفية حسابات، وهذا ما يشكل عاملا مساعدا على تعزيز التفاهمات وتطويرها، تقول مصادر مطلعة ان التنسيق الحاصل بعيد كل البعد عن التحالف وهو مجرد التقاء على مواضيع معينة، خصوصا ما يتعلق منها بالهواجس المسيحية ومخاطر التوطين. ولكن يبقى الخلاف كبيرا على مسائل مصيرية مهمة وخطيرة وفي مقدمها الموقف من سلاح حزب الله وآلية التعاطي مع سورية.
وترى هذه المصادر ان كلا من التيار والحزب لا يهدف الى نسج أي تقارب جديد على حساب العلاقة مع الحلفاء، وان التفاهم بين العونيين والكتائب لايزال في بداياته، والتعامل مع بعض النقاط لا يعني التفاهم على رؤية متكاملة. كما ترى ان حزب الكتائب يعيش إشكالية سياسية ومأزق الخيارات: مبادئه السياسية والنضالية تفرض عليه التنسيق والتحالف مع قوى 14 آذار ومصالحه السياسية تفرض عليه التمايز والاستقلالية لأن القوات اللبنانية هي التي تتقدم وتتوسع مسيحيا على حسابه.