بيروت ـ عمر حبنجر
تحركت الجهود العربية لاحتواء التوترات المتصاعدة في لبنان، بعدما قاربت بلوغ الذروة على خلفية القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، والتأويلات المتصلة بمضمونها المتجه نحو اتهام عناصر في حزب الله بالتورط.
وتتمثل هذه الحركة في زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى بيروت يوم الجمعة المقبل، وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السبت، والاحتمال الاكبر ان يعجل الرئيس السوري بشار الاسد زيارته المنتظرة الى بيروت ليكون الى جانب خادم الحرمين الملك عبدالله الذي سيصل الى بيروت قادما من دمشق في حين تمتد زيارة أمير قطر لثلاثة ايام يتفقد خلالها المشاريع العقارية في الجنوب ويحضر مع الرئيس سليمان احتفالات عيد الجيش في الاول من أغسطس.
هذا الحراك العربي يهدف الى وأد الفتنة واعادة الاعتبار للتوافقات اللبنانية ولتكريس تسوية الدوحة الى جانب التهدئة التي تحدث عنها رئيس الحكومة سعد الحريري في افتتاح المؤتمر التأسيسي لتيار المستقبل اول من امس والتي تناولها ايضا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الجديد عصر امس.
وفي ثاني كلمة له خلال اربعة ايام، شدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على ان الجميع في لبنان يريد «أن يعرف الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا موضع إجماع لبناني، فتداعيات هذا الاغتيال كلنا دفعنا ثمنها بنسب متفاوتة»، واضاف «نحن كلنا مع إجراء العدالة بعد معرفة الحقيقة، فبعد معرفة الحقيقة كلنا يريد تطبيق العدالة لا العفو، وعلى هذا يجب أن يتعاون اللبنانيون جميعا».
كلام السيد نصر الله جاء خلال احتفال اقيم أمس تكريما لأبناء الشهداء الذين وصلوا الى سن الاعتماد على النفس. وقد اطلق على الحفل اسم «الشهيد احمد جربير» الذي قضى شهيدا في مثل هذا اليوم (25 يوليو 2006) خلال العدوان الصهيوني على لبنان في مواجهات عيناتا البطولية في جنوب لبنان.
وعزا السيد نصر الله الجدل الذي شهده لبنان في الايام الاخيرة حول موضوع المحكمة الى «الجهة التي أنشأت هذه المحكمة من أميركا وبريطانيا والمحققون فيها يكون على صلة بالموساد الاسرائيلي وعمل لجنة التحقيق الدولية قبل ان نصل لمرحلة الادعاء»، سائلا «هل استبعاد كل الفرضيات الممكنة امر مقبول او حتى حصر الامر بفرضية واحدة فقط حتى يومنا هذا»، مضيفا «هل المسار الذي اخذته المحكمة الدولية هو مسار يوصل للعدالة والحقيقة»، واعتبر الامين العام ان «هذا الاسلوب بالعمل هو الاغتيال الثاني للرئيس الحريري لانه يضيع الحقيقة»، مؤكدا ان «العدالة هي معاقبة من قتل الرئيس الحريري وليس معاقبة من لم يقتله».
واضاف السيد نصر الله متسائلا «هل سلوك المحكمة والمدعي العام الدولي يوصل الى الحقيقة؟».
وشدد على ضرورة «التحقيق مع شهود الزور ومن يقف وراءهم»، متسائلا «اليست العدالة ان نحقق مع شهود الزور لمعرفة من ضلل التحقيق الذي بني عليه كل ما بني».
فبركة شهود الزور
وتابع، لقد شارك في فبركة الشهود وتلقينهم لبنانيون وبعض من ضباط لجنة التحقيق الدولية، أليس من حقنا أن نعرف لماذا فعل هؤلاء ذلك؟ لا تريدون معاقبتهم اطردوهم من صفوفكم بالحد الأدنى، لكن على العكس فالذين فبركوا الشهود مازالوا في رعايتكم. هناك من سيقول إن السيد يوتر البلد، لكن هل قول الحقيقة يوتر البلد؟ هل أتوا شهود الزور ومن فبركهم من السماء؟ في كل حال ما أقوله ليس لطلب شيء بل لإقامة الحجة.
وخاطب مدعي عام المحكمة قائلا تفضل «واجلب شهود الزور وحقق معهم، لكنه لا يريد بحجة أنه ليس من اختصاص التحقيق، لكن نسأله أليس من اختصاص التحقيق معرفة من زور الشهود لنعرف ما هي علاقتهم بقتلة الرئيس رفيق الحريري؟ فيجيب لا ليس من اختصاصي والقضاء اللبناني كذلك والأجهزة الأمنية كذلك».
ولفت الى نداء الرئيس سليم الحص أمس وقال أنا أحترم أي شيء يقوله هذا الرجل، وعندما تكون هناك مقاومة سيعتدى عليها ويفتح من خلال ذلك باب الاعتداء على لبنان، فهناك مجلس وزراء يتحمل مسؤوليته، وهذا ما دعا اليه الرئيس الحص، ولذلك فإذا دعي مجلس الوزراء لمناقشة الموضوع فنحن متجاوبون، وإذا دعيت طاولة الحوار فنحن متجاوبون، لكن إذا أراد أحد أن يجلس معنا على قاعدة أن هناك متهمين من عندنا ولنقم بتسوية، فلن نقبل، أما على قاعدة الحفاظ على البلد فنحن جاهزون، وعلى قاعدة أننا جهة يتم تركيب اتهام كاذب لها فنحن حاضرون.
وأكد على ان «ما يقوله الإعلام الاسرائيلي صحيح ويتقاطع مع معلوماتنا، فمعلومات الإسرائيلي هي من قلب التحقيق والمحكمة الدولية، ونفس المعلومات قالها مسؤولون أمنيون قبل مدة في لبنان، وإزاء ذلك نحن ندعو لتشكيل لجنة لبنانية إما برلمانية أو قضائية أو أمنية أو وزارية تأتي بالشهود، وليأتوا بالصديق فهم يعرفون أين هو، وليسألوهم من فبركهم ومن زودهم بالمعلومات التي يجب أن يقولوها».
معتبرا أنه «إذا أرادوا أن يكون هناك فعلا بداية جديدة جدية، فهذه هي البداية، ومن يريد أن يثبت حرصه على تحقيق العدالة فيجب أن يبدأ من هنا، وعليه ألا يتحمل النظر الى وجوه السياسيين والقضائيين والإعلاميين والأمنيين الذين شاركوا في فبركة شهود الزور، الذين ما زالوا حوله».
واعتبر السيد حسن أنهم يريدون اليوم أن «يدخلوا من باب جديد وهذا ما دعانا لإثارة هذا الموضوع خلال الأيام القليلة الماضية، يريدون الدخول من خلال المدعي العام والمحكة الدولية ليستغلوا قضية شريفة هي قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واليوم أستكمل ما كنت أنوي أن أقوله منذ البداية والذي سأختمه في مؤتمر صحافي قبل بداية شهر رمضان».
وكشف السيد نصرالله ان «الأميركيين سعوا كثيرا الى أن يجلسوا معنا ونحن لم نجلس معهم، وفي الـ 2000 سعوا لفتح الباب معنا ونحن أقفلنا لأن برأينا أميركا هي اسرائيل وأميركا هي من شنت حرب يوليو واسرائيل نفذت» وأضاف «نحن حزب سياسي ومقبولون ولدينا نواب ووزراء وموجودون في الحوار، وهذه ليست مشكلة العالم حتى الأميركيين يريدون أن يصبح حزب الله حزبا سياسيا بالكامل والمشكلة ليست أن حزب الله حزب إسلامي، بل المشكلة أنه مقاومة، وأنه يرفض أن يكون وطنه لبنان ضعيفا، وأنه يرفض أن تكون حمايته لوطنه مستعارة، وأنه يرفض أن يأتي أحد في هذا العالم ليفرض عليه شروطا مذلة، ويرفض التسوية الأميركية ـ الاسرائيلية التي تريد أن تصادر الأرض وتحرم ملايين الفلسطينيين من العودة الى بيوتهم، وهذه المشكلة ليست قابلة للتسوية».
هذا الوضع المتوتر استدعى تحذيرا علنيا من الجامعة العربية حيث اصدر الامين العام عمرو موسى بيانا اعرب فيه عن القلق حيال الاضطراب الذي بدأ يطفو على الساحة السياسية في لبنان نتيجة التجاذبات السياسية والاعلامية محذرا من التأثيرات السلبية على الاستقرار وتشجيع الاعداء، معلنا عن متابعته باهتمام المشاورات التي يجريها الرئيس ميشال سليمان مع اركان هيئة الحوار.
النائب وليد جنبلاط الذي غادر امس الى باريس رأى ان الآتي اعظم على لبنان وقد يكون اسهل اذا توافرت الحكمة لدى القيمين على البلد.
واضاف: اقول هذا لربما نعتبر، والآتي علينا قد يكون اعظم وقد يكون اسهل اذا ما الحكمة استفحلت بعقول القيمين المسؤولين عن المحكمة الوطنية.
الجميل: لن نتنازل قيد أنملة
غير أن رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذي فقد نجله البكر الوزير بيار الجميل في موجة الاغتيالات التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري اكد انه لن يتنازل قيد أنملة عن معرفة الحقيقة واحقاق الحق، مهما تكن التهديدات والتهويلات.
وقال الجميل: إذا كانوا يقولون ان المحكمة مسيسة فليتفضلوا ونتعاون معا لكي نجعلها نزيهة، بدلا من ان نرفض بحجة التسييس، الفرصة الذهبية لوقف الجرائم ووضع حد للفلتان والبريرية.