أدت التطورات الأخيرة ذات الصلة بالمحكمة الدولية والقرار الظني المرتقب صدوره عنها الى اعادة جدولة الأجندة اللبنانية العربية. فخادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أدخل لبنان على برنامج جولة عربية له كانت معدة أساسا لتشمل مصر والأردن وسورية، ولتركز بشكل خاص على تطورات عملية السلام والغطاء العربي الذي تنتظره واشنطن للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. والرئيس السوري بشار الاسد قدم موعد زيارته الى بيروت بعدما كان مقدرا لها ان تأخذ طابعا مختلفا يصب في دفع العلاقات اللبنانية ـ السورية في مرحلتها الجديدة وتمتين أواصر العلاقات بين الرئيسين اللبناني والسوري على المستويين الشخصي والعائلي.
ما سيقوله خادم الحرمين في دمشق يتوقف الى حد بعيد على نتائج لقائه في مصر مع الرئيس المصري حسني مبارك.. وما سيحدث في بيروت غدا عندما يصل الملك عبدالله والرئيس الاسد معا الى العاصمة اللبنانية يتوقف الى حد بعيد على نتائج محادثاتهما في دمشق وما يكونان قد توصلا اليه في شأن الوضع اللبناني المستجد، وحيث تتقاطع مصلحة الدولتين على حفظ الاستقرار والتوازنات التي تم ارساؤها في العامين المنصرمين وعدم الانزلاق الى وضع يصعب السيطرة عليه وتفادي انتقال النموذج العراقي الى لبنان.
الانطباع السائد في بيروت ان «التفاهم السوري ـ السعودي» هو وحده القادر في هذه المرحلة على «ضبط ايقاع» الوضع اللبناني ومنع حصول ارتدادات لقرار المحكمة الدولية، وان معادلة الـ «س. س» التي حكمت الوضع في لبنان ونجحت في تجاوز الكثير من التحديات التي واجهته منذ اتفاق الدوحة تسري مفاعيلها وأحكامها أيضا على المحكمة الدولية وتداعيات قرارها الظني، وان القوى السياسية اللبنانية لا تملك القدرة على خرق هذا التفاهم ما دامت تدور في فلك طرفيه: الرياض ودمشق، بل ستكون محكومة بالمسارعة الى سحب «فتائل التفجير» من الشارع اللبناني بهدف تهدئته واستيعابه، والى تعطيل مفعول القرار الظني كقنبلة موقوتة معدة للتفجير في توقيت اقليمي مناسب، وكخطر داهم يخضع لبنان لاستثمار سياسي محتمل في لعبة التجاذبات والمصالح الاقليمية والدولية.. ولذلك فإن الزيارة المشتركة للملك السعودي والرئيس السوري الى بيروت سوف تشكل قوة دفع هائلة لعملية البحث عن «مخارج وحلول لبنانية» استباقية لأزمة القرار الظني في حال اتهامه لحزب الله، وانطلاقا من انه لا مصلحة لأحد في لبنان في نشوء وضع خطير ارتسمت معالمه واتجاهاته: فلا مصلحة لحزب الله في تغيير المعادلة القائمة حاليا التي يقطف ثمارها من دون ان يتحمل سلبياتها ومسؤولية الوضع.. ولا مصلحة لقوى ١٤ آذار وللرئيس الحريري خصوصا في الذهاب نحو مواجهة غير متكافئة تطيح بكل ما تحقق.
ولكن رغم التفاؤل الذي أشاعته زيارة عبدالله ـ الاسد الى بيروت على صعيد اعادة ضبط الوضع اللبناني وابقائه تحت مظلة «اتفاق الدوحة» والتفاهم السوري ـ السعودي، الا ان الحذر يظل سيد الموقف بأنه لا تكون هذه الزيارة كافية لنزع «صاعق القرار الظني» بشكل كامل ونهائي لعدة أسباب:
١- الشكوك حول قدرة الأطراف اللبنانية (والعربية) في التأثير على مسار المحكمة ومجرياتها.
٢- رفض حزب الله أي مخرج يبنى على فرضية اتهامه باغتيال الرئيس رفيق الحريري مثل تأجيل القرار الظني لأن ذلك لن يكون الا تأجيلا للمشكلة.. وعدم قبوله بأقل من رفض القرار الظني واتهام المحكمة الدولية بأنها «مسيسة».
٣- رفض فريق ١٤ آذار التخلي عن ورقة المحكمة الدولية باعتبارها تشكل احد أهم مكتسبات المرحلة السابقة وضمانة اللعبة السياسية الديموقراطية من دون العودة الى العنف السياسي والاغتيالات.
٤- الترابط القائم بين موضوع المحكمة الدولية والملفات الساخنة في المنطقة، ومنها ملف عملية السلام والملف النووي الايراني.. وهذا الترابط تلخصه مصادر قريبة من حزب الله على هذ النحو: «جهد أميركي على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي من أجل حشد محور دولي عربي في مواجهة ايران.. واستعداد اسرائيلي لملاقاة الأميركيين وتمرير التسوية مع سلطة محمود عباس مقابل محاصرة حزب الله».