قصر بعبدا الذي كان على امتداد الشهور الماضية مركزا لحوار وطني و«قمة لبنانية سياسية» مفتوحة، سيكون اليوم على موعد مع قمة عربية مصغرة ثلاثية أو رباعية تجمع في ضيافة الرئيس ميشال سليمان قادة السعودية وسورية وقطر. وفي هذه القمة ما يشير الى اهتمام عربي استثنائي بلبنان في هذه المرحلة وما يعكس دقة الوضع وخطورته، خصوصا في ظل التقاطع الحاصل بين التوتر الداخلي على خلفية المحكمة الدولية والتوتر الإقليمي الناجم عن تدافع 3 ملفات وتصادمها: الملف النووي الإيراني وعملية السلام والوضع في العراق.
حول معاني «القمة العربية المصغرة» في بعبدا ونتائجها الممكنة والمسار الذي يسلكه الوضع من بعدها، تشير جهات سياسية واسعة الاطلاع الى النقاط التالية:
1 ـ أهمية الحضور العربي الى بيروت في هذا الوقت وبهذه الطريقة يكمن في انه يهدف الى حفظ الاستقرار اللبناني وتفادي انفجار الوضع والاندفاع الى الهاوية والفتنة. هذا هو العنوان والهدف للتحرك العربي حيث تلتقي جهود ومصلحة السعودية وسورية على تطويق وإجهاض الفتنة الشيعية ـ السنية التي عادت تطل برأسها من جديد، والتي في حال وقوعها ستصيب بشظاياها أرجاء المنطقة العربية التي لا تحتمل «عراقا ثانيا».
2 ـ الرسالة الأساسية المشتركة التي يحملها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس بشار الأسد، هي دعوة اللبنانيين الى «التعقل والهدوء» لحماية استقرار بلدهم وتجنيبه خضات جديدة، ولـ «ضبط إيقاع سجالاتهم وخلافاتهم حول المحكمة الدولية». فليس للأزمة الجديدة ما يبررها ولا أفق لها في ظل تقارب سعودي ـ سوري يزداد وثوقا وانفراج لبناني ـ سوري يزداد وضوحا على قاعدة لقاءات الحريري مع الأسد.
3 ـ أي تفاهم عربي يحمي لبنان من الفتنة ويقيم شبكة أمان لوضعه المضطرب لا يعني أيا من هذين الأمرين:
ـ هذا التفاهم لا يمهد لـ «اتفاق لبناني» جديد برعاية عربية ولن يحل محل «اتفاق الدوحة» الذي مازال ساري المفعول مادامت الظروف التي أوجبته لا تزال قائمة، وهو يشكل المظلة العربية المرحلية للاستقرار اللبناني، بينما يستمر اتفاق الطائف في تأمين المظلة العربية الثابتة للمعادلة اللبنانية.
ـ التفاهم العربي حول استقرار لبنان لا يعني التدخل في عمل المحكمة الدولية ولا يستدعي ذلك. والالتقاء العربي حاصل على رفض «تسييس المحكمة» وعلى ضرورة الفصل بين مسار المحكمة الدولية ومسار الوضع الداخلي في لبنان (مثلما جرى الفصل في الفترة السابقة بين مسار المحكمة والعلاقات اللبنانية ـ السورية). ولكن لا خطط ولا توجهات في اتجاه التأثير على عمل المحكمة الدولية ومسارها والالتفاف عليها أو تقويضها وإلغائها، بغض النظر عن الفارق الموجود بين موقف سورية المبدئي في رفض أي اتهام لحزب الله، وموقف السعودية المبدئي في التمسك بالمحكمة وبقرار دولي يعتبر العدالة طريقا لحماية استقرار لبنان.
4 ـ المخارج «على الطريقة اللبنانية» مازالت مجرد أفكار ومقترحات ولم تتبلور في صيغ عملية، خصوصا اذا استمر موقفا حزب الله والمستقبل على حالهما من التباعد والافتراق: حزب الله أعلن الحرب على المحكمة الدولية ويخوض معركة إسقاط القرار الظني ويريد من الآن موقفا وطنيا عاما يرفض اتهام حزب الله في مطلق الأحوال وأي قرار ظني صادر في هذا التوجه. وتيار المستقبل يرفض استباق القرار الظني وينتظر صدوره ليبني على الشيء مقتضاه. فإذا كان القرار مستندا الى أدلة حسية وقاطعة وافق عليه وسلم به، وإذا لم يكن كذلك أعلن رفضه له، وهذا يعني ان حزب الله يظل في دائرة الشبهة الى ما بعد القرار الظني ولا يحصل على صك براءة قبل ذلك. وبما ان المخرج القانوني لأزمة القرار الظني هو في متناول المحكمة الدولية وحدها فإن المخرج الوحيد المتاح هو في «حفظ الملف» اذا لم تكن الأدلة والمعطيات كافية لتوجيه اتهام والانتقال الى مرحلة المحاكمة.
أما المخرج السياسي فإنه يقتصر على تأجيل صدور القرار الظني الى ظروف أكثر ملاءمة ويكون فيها فك الاشتباك بين الوضع اللبناني والوضع الإقليمي «متيسرا» وتكون فيها قدرة التحكم بردات الفعل الداخلية والسيطرة عليها متوافرة. ولكن تأجيل صدور القرار اذا حصل، وهذا بات واردا ومرجحا، لن يكون إلا تأجيلا للمشكلة.