إسرائيل مازالت واقعة تحت «صدمة» الاشتباك الحدودي عند نقطة العديسة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، والسبب انها لم تكن تتوقع وتنتظر من الجيش اللبناني ان يعالج الموقف على هذا النحو وان يطلق النار في اتجاه قواتها، اضافة الى ان هذه الحادثة كشفت لها التحول الهادئ والعميق داخل الجيش اللبناني وعلاقته الوثيقة مع حزب الله. سجال محدود دار داخل إسرائيل بشأن الطريقة التي تعاطى بها الجيش الاسرائيلي قبل وبعد الاشتباك لتحديد ما اذا ارتكب أخطاء في التقدير والتصرف، واذا كانت هناك ثغرات في الأداء. وتمحور هذا السجال حول 3 آراء: الأول يعتبر ان الجيش الاسرائيلي أخطأ في تقدير الموقف عندما لم يقدر ان التوتر الشديد الذي يشهده لبنان حاليا لا يحتمل تحركا ولو بسيطا على الحدود لإزالة أشجار، وان التوقيت ليس مناسبا لأي تحرك يمكن ان يكون بمثابة عود ثقاب يشعل النار والحريق. ورأي آخر عند المتطرفين يعتبر ان رد الجيش الاسرائيلي على مقتل أحد ضباطه كان ضعيفا ولم يكن كافيا، وانه كان يجب الهجوم بشدة أكبر. ورأي ثالث هو الرسمي يعتبر ان الجيش قام برد موزون ومدروس وفوري وكان معنيا بعدم حصول تدهور في الوضع لأن الاشتباك حصل مع الجيش اللبناني وليس مع حزب الله.
هذا السجال المحدود جرى على هامش حملة إسرائيلية مركزة على الجيش اللبناني الذي دخل في دائرة الاستهداف المباشر، وحيث يبدو ان الأمور بالنسبة الى إسرائيل ليست منتهية بانتهاء الاشتباك وعودة الوضع الى طبيعته، وإنما تتفاعل في اتجاه حملة مثلثة الأبعاد والاتجاهات ضد الجيش اللبناني:
-
1 ـ البعد الأمني في الحملة يتمثل في توجيه تحذير وإنذار شديد اللهجة الى الجيش اللبناني بأن تكرار ما حدث سيقابله في المرة المقبلة رد إسرائيلي من نوع آخر ولن يمر مرور الكرام، وسيكون ردا غير تناسبي ومكلفا للبنان وجيشه.
-
2 ـ هجوم سياسي ـ إعلامي يصوب على «العلاقة الحميمة» بين الجيش اللبناني وحزب الله ويتحدث عن «تغلغل حزب الله ونفوذه المتعاظم داخل الجيش اللبناني» و«تنامي التطرف السياسي والعقائدي في الجيش» و«تسلل حزب الله الى صفوفه»، ومساعدة الجيش للحزب في التملص من رقابة الأمم المتحدة، وصولا الى الكلام عن خطر من «حزبلة» الجيش اللبناني، إذ انه بدأ يتصرف مثل حزب الله بطريقة معادية ودموية.
-
3 ـ حملة ديبلوماسية على خطين: الأول ثانوي هو الأمم المتحدة والدعوة الى جلسة ثانية لمجلس الأمن على خلفية ما خلصت إليه تحقيقات اليونيفيل من ان الشجرة التي أشعلت الاشتباك تقع في الجانب الاسرائيلي وما تعتبره إسرائيل ان تصرف الجيش اللبناني لم يكن مبررا وربما كان مدبرا، وفي كل الأحوال كان تصرفا استفزازيا. أما الخط الثاني وهو الأهم، فهو تحرك إسرائيل في اتجاه واشنطن (وباريس) متسلحة بهذه الحادثة للتأثير عليهما والضغط في اتجاه وقف عملية تسليح الجيش اللبناني.
وإسرائيل في تحركها هذا تحاول وتتوخى ان تثير مخاوف لدى واشنطن من احتمال تحول الأسلحة الأميركية التي يتلقاها الجيش اللبناني الى حزب الله، ومن احتمال ان يقوم الجيش باستخدام الأسلحة التي تزوده بها الولايات المتحدة ضد إسرائيل.