في خضم كل التسريبات الإعلامية المواكبة للقبض على عدد من المشتبه في تعاملهم مع إسرائيل، طرح تقرير اورده موقع التيار الوطني الحر «tayyar.org» سؤالا قديما ـ جديدا: ما الحد الفاصل بين الحرية الشخصية من جهة، والمقتضيات الأمنية والقضائية من جهة أخرى؟
ومما يستدعي ضرورة الاجابة عن هذا التساؤل الجدل الذي يدور حاليا في أكثر من دولة على خلفية خدمة «البلاك بيري» blackberry وتأثيرها على الأمن القومي للدول في وقت يرتفع فيه سقف المطالبات بالحرية.
وعلى غرار العديد من الدول، برز في لبنان أخيرا موضوع خدمة الـ blackberry، وسرت كالنار في الهشيم شائعات عن دوره في منع كشف بعض المشتبه في تعاملهم مع إسرائيل، نظرا إلى صعوبة معرفة المضمون الذي يتم تبادله عبره، خاصة وان عددا من العملاء المقبوض عليهم كانوا يعملون في شركات اتصالات.
في الحقيقة، إن نظام الـ blackberry هو من ناحية أولى هاتف خلوي عادي يسمح بالتخابر بالصوت والرسائل القصيرة، إضافة إلى استخدام الإنترنت وغيرها من الخدمات المعروفة.
أما من ناحية ثانية، فيمكن للـ blackberry أن يقدم خدمة أخرى تحتاج إلى اشتراك خاص. هذه الخدمة انطلقت في الأساس من فكرة الأنظمة التي كانت مستخدمة في الشركات الكبيرة، والتي تمكن موظفيها من تبادل المعلومات في ما بينهم من خلال ربطهم بجهاز معلوماتي داخلي، وبالاستناد إلى أنظمة معينة للترميز والتشفير، ما يدخل الموظفين في شبكة معلوماتية خاصة بهم. أما في وقت لاحق، فتوسعت هذه التقنية حتى صار بإمكان الموظفين الدخول إلى هذا النظام المحمي من خارج الشركة وأثناء السفر.
إذن، استوحى نظام الـ blackberry من هذه الفكرة نظاما للهواتف الخلوية، وهو يشبه الـ intranet أو الإنترنت الداخلي الذي يلبي حاجات موظفي الشركات الكبيرة الذين تكثر أسفارهم، وبدأت هذه الخدمة تحوز نجاحا تجاريا كبيرا لأن تبادل المعلومات يتم عبر شبكة إنترنت مقفلة فيما بين المشتركين، ولأن كلفته أقل من غيره.
الشركة التي تقدم هذه الخدمة وهي شركة ريم الكندية «rim ceo» أسست مركزين يتضمنان المخدمات أو «server» الخاصة بهذا النظام، والتي تجمع المعلومات لتشفيرها وفك التشفير وإرسالها، وكل المعلومات تحفظ في الكومبيوترات الموجودة في هذين المركزين، بعكس سائر الاتصالات الهاتفية والـ data المتداولة عبر الإنترنت، التي تحفظ في كل بلد، سواء في المقاسم الهاتفية أو السنترالات أو ما إلى ذلك، ما يسمح وفقا للقوانين المرعية، ولدواعي المهمات الأمنية والتحقيقات القضائية، بأن يتم اعتراض المعلومات وكشف مضمونها.
غير أن الفرق بين خدمة الـ blackberry وسائر أشكال الاتصال وتبادل المعلومات هو أن في هذه الحال لا تظهر أي مكالمات عندما يستخدم الخدمة شخصان، إذ يقتصر الأمر فقط على معرفة أن هناك شخصين دخلا إلى الإنترنت، من دون ظهور مضمون التخابر والتبادل، فهذا النظام يحمي المتعاملين به، ما يصعب اعتراض التخابر.
بعض هذه الدول تفاوضت مع الشركة التي تقدم الخدمة المذكورة، وتم الاتفاق على تأسيس منشآت ضمن نطاق كل دولة، تقام فيها صورة جزئية عن نظام الشركة ، على أن تجهز هذه المنشأة بما يلزم من برمجيات ومفاتيح لتسهيل حالات الاعتراض. غير أن التفاوض بين دول أخرى والشركة الموفرة للخدمة فشل في ضوء رفض الشركة، حيث يسود اتجاه لوقف خدمة الـ blackberry بالكامل.
أما في لبنان، فلا معلومات محددة عن أن هذا النظام سهل حالات خرق استثنائية، على خلفية كشف المشتبه في تعاملهم، لكن الأكيد أن خدمة الـ blackberry تعوق الاعتراض فنيا. وبناء على ما تقدم، وتزامنا مع الكلام في هذا الشأن حول العالم، من الإمارات إلى السعودية وصولا إلى الهند التي قيل إن تفجيرات مومباي التي تمت فيها عام 2008 استخدم خلالها نظام الـ blackberry بناء على كل ذلك، صار هناك إعلان نية لدى وزارة الاتصالات اللبنانية للبحث في هذا الموضوع، مع العلم أن الأمر ليس مرتبطا إطلاقا ولا حصرا بموضوع كشف الخروقات الإسرائيلية لشبكة الاتصالات اللبنانية، ذلك أن عدد المشتركين في خدمة الـ blackberry في لبنان لا يفوق الستين ألفا من أصل مليونين ونصف مليون مشترك في الشبكات الخلوية، إضافة إلى المليون مشترك في الخطوط الثابتة، ويمكن للخرق الإسرائيلي أن يتم من خلال كل هذه المسارب، وأبرزها على الإطلاق الإنترنت غير الشرعي الذي يغزو السوق ويستبيحها، إضافة إلى الاتصالات المربوطة بالأقمار الصناعية.
إذن، قضية الـ blackberry موضوع موضعي يقتضي البحث فيه، مع العلم أن أي خطوة لم تتخذ بعد في هذا الاتجاه والبحث لايزال في مرحلة إعلان النيات.