وجه مدعي عام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بيلمار كتابا الى المدعي العام التمييزي في لبنان القاضي سعيد ميرزا يطلب منه فيه الطلب الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تسليمه المستندات والوثائق التي أعلن عنها في مؤتمره الصحافي، والتي اخذها رئيس الحكومة سعد الحريري بعين الاعتبار بحسب بعض المصادر. وقام ميرزا بنقل كتاب بيلمار الى قيادة حزب الله عبر أحد مسؤولي الحزب الذي وعد بإجابة هذا الطلب في وقت قريب.
وأرفق بيلمار كتابه الى ميرزا ببيان إعلامي صادر عن مكتبه تضمن نقاطا عدة أبرزها:
- ـ التأكيد على حيادية وموضوعية واستقلالية التحقيق الذي يتولاه وفقا لأرقى معايير العدالة الدولية.
- ـ التأكيد على ان للمدعي العام وحده مسؤولية التحقيق وتحديد هوية المسؤولين عن الجريمة.
- ـ الترحيب بأي معلومات قد تقربنا من الحقيقة مع تأكيد على اجراء تقويم دقيق لها.
- ـ وصف ما قدمه السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي بـ «قرائن» و«معطيات» للمساعدة في التحقيق.
- ـ دعوة السيد حسن نصرالله الى ممارسة سلطته لتسهيل عملية التحقيق التي يقوم بها مكتب المدعي العام.
هذا الطلب المرفق بتوضيحات وتأكيدات يطرح جملة تساؤلات قضائية وسياسية:
1 - ماذا يعني هذا الطلب، وما قيمته قضائيا ومعنويا؟
ان يقرر المدعي العام للمحكمة الدولية طلب القرائن التي عرضها السيد حسن نصرالله فهذا يعني إقرار ضمنيا بأنها جديرة بالتوقف عندها وأخذها بالاعتبار والتدقيق فيها وانها تستحق الدراسة والمتابعة والخضوع لتقييم لجنة التحقيق الدولية التي هي صاحبة الاختصاص في تقدير أهمية هذه القرائن، وبالتالي يكون السيد حسن نصرالله نجح عبر «مؤتمر القرائن» في الدخول على خط التحقيق الدولي الاتهامي وفرض «فرضية اتهام اسرائيل» التي لم ترد يوما في مجرى التحقيقات.
ولكن بقدر ما ينطوي طلب بيلمار على إشارات مريحة بالنسبة لحزب الله لجهة التفاعل إيجابا مع قرائن حزب الله وعدم إهمالها، فإنه ينطوي على إشارات «غير مريحة» هدفت الى حشر حزب الله إن عبر دعوته الى تسهيل عملية التحقيق والتعاون معه، أو عبر إضفاء صدقية على المحكمة الدولية وعملها، بدليل انها تتعامل بجدية مع ما يقدم لها.
2 - كيف سيرد حزب الله على طلب بيلمار؟ سبق لحزب الله في سياق حملته على المحكمة الدولية ان اتخذ مواقف «مبدئية» يقول فيها انه لا يثق بالمحكمة الدولية لأنها «اسرائيلية ومسيسة» وغير مستعد للتعاون معها بما في ذلك تقديم مستندات اليها، وبأنه مستعد لتسليم ما في حوزته من قرائن ومعطيات الى لجنة تحقيق لبنانية سياسية أو قضائية. ولكن حزب الله الذي نجح في إحراج التحقيق الدولي بـ «قرائنه» وفي تشتيت كرة الاتهام التي أبعدها عن ملعبه، يضع نفسه في دائرة «الاحراج» ان هو امتنع عن تزويد المدعي العام الدولي بما لديه، ويتسبب في قطع المسار الجانبي الذي فتحه على هامش التحقيق الدولي وفي إقفال أفق جديد فتحه أمام هذا التحقيق، ولذلك فإنه من المرجح ان تصل قرائن حزب الله الى لاهاي وبيلمار ولكن بالبريد اللبناني وان يسلم حزب الله ما لديه من قرائن ووثائق ولكن الى القضاء اللبناني أولا.
3 - هل يتجه التحقيق الدولي ناحية اسرائيل، وهل يلقى التعاون منها؟ قرائن حزب الله تطرح امكانية التوجه الى اسرائيل اذا تضمنت هذه القرائن ما يجعل من اسرائيل «مشتبها بها» في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبالتالي فإن الأهم من تعاطي المدعي العام مع قرائن حزب الله هو كيفية تعاطيه مع اسرائيل اذا أخذ بـ «الفرضية الاسرائيلية» ووجد ضرورة الاستماع الى ضباط ومسؤولين اسرائيليين. والأهم من تعاطي بيلمار سيكون تعاطي اسرائيل مع أي توجه من هذا القبيل وكيف ستتصرف، هل تتعاون وهي التي رفضت في السابق توقيع اتفاقية تعاون مع المحكمة الدولية، أم ترفض التعاون مطلقا انسجاما مع موقفها الذي وصف قرائن نصرالله بـ «السخيفة والكاذبة وانها مدعاة للسخرية».
4 - هل تصب خطوة بيلمار في عملية التهدئة والبحث عن مخرج سياسي لأزمة القرار الظني؟ راجت في الأيام الأخيرة في بيروت وعلى نطاق واسع فرضية تأجيل القرار الظني أشهرا إضافية وحتى ربيع العام 2011 تفاديا لمخاطر القرار الظني وتداعياته على الاستقرار في لبنان والمنطقة، وإفساحا في المجال أمام جهود احتواء ردات الفعل أو انتظارا لتوقيت سياسي أكثر ملاءمة وبعدما تكون الرؤية الاقليمية قد انقشعت على خطي «الملف الايراني» و«عملية السلام».
إذا صح هذا التوقع فإن خطوة بيلمار التوسيع في التحقيق وفي اتجاه جديد استنادا الى قرائن حزب الله، تصب في احتمالات التأجيل لأسباب تقنية إدارية أولا، وحيث انه سيكون في حاجة الى أشهر عدة لتفنيد وتقييم هذه القرائن، وبما يحول دون تمكنه من إصدار قراره الظني قبل نهاية هذا العام.