في ظل «هدنة رمضان» وتحت مظلة «التفاهم السوري ـ السعودي»، تستمر مسألة المحكمة الدولية في التفاعل سلبا على المستوى الداخلي وتلقي بظلالها على مجمل الوضع الى حد أنها ساهمت في تفاقم حال «الشلل الحكومي» وفي إشاعة هاجس تصدع الاستقرار السياسي المرتكز على حكومة الوحدة الوطنية، وتلخص مصادر سياسية واسعة الاطلاع الوضع الراهن في ثلاث نقاط أساسية:
1 - تأكد ان «القمة الثلاثية العربية» التي انعقدت في قصر بعبدا أقامت «خطا أحمر دائريا» حول مسألة «الأمن والاستقرار»، بمعنى أنها انطوت على رسالة سياسية بليغة بأن الأزمة، إن وجدت، تبقى في إطارها السياسي ولا تتطور الى 7 مايو جديد، وان المحكمة الدولية لا يمكن ان تتحول الى مشروع فتنة، وضمنا الى مصدر تهديد لحزب الله وخطر عليه، على ان يتم لاحقا التوصل الى الصيغة أو التسوية التي تحقق هذه الأهداف.
ولكن تأكد في المقابل ان التفاهم السوري ـ السعودي حول «قطع دابر الفتنة واحتواء مخاطر المحكمة» لم يحمل معه أي ضمانات فعلية بخصوص مسار المحكمة ومصيرها والقرار الظني المرتقب صدوره عنها. فمن جهة لا يملك الجانبان قدرة التحكم في موضوع المحكمة الدولية ولا رغبة استباق قرارها، ومن جهة أخرى ثمة تباين بين موقفي البلدين في هذا المجال، وحيث ان الأولوية عند الرياض هي لـ «المحكمة وحماية الحريري من ردة فعل حزب الله»، والأولوية عند دمشق هي لـ «المقاومة وحماية حزب الله من فعل المحكمة».
2 - ثمة خلاف واضح وجلي بين «قطبي المواجهة» الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله في التعاطي مع «المحكمة وقرارها الظني»، لا بل ثمة فجوة سياسية بين الطرفين يصعب ردمها قبل صدور القرار الظني ويجب ردمها قبل هذا القرار حتى لا ينقلب الخلاف الى أزمة ولا ينفتح الوضع في حال صدور القرار الظني على آفاق تصعيدية. وجهة نظر قيادة حزب الله باتت واضحة ومحددة في النقاط التالية:
ـ حجب الثقة عن المحكمة الدولية التي لم تقم على أسس سليمة وتحولت الى محكمة اسرائيلية هدفها إحداث فتنة في لبنان وتشويه صورة وسمعة المقاومة، وصولا الى نزع سلاح حزب الله وتنفيذ ما لم يتم تنفيذه عبر القرار 1559.
ـ الحكومة مطالبة باتخاذ موقف حازم بوقف التعامل مع المحكمة على جميع المستويات، ورئيس الحكومة سعد الحريري مدعو الى اتخاذ موقف قبل صدور القرار الظني ودفعه الى إعلان موقف يراعي مطلب وموقف حزب الله في ناحيتين: الأخذ في الاعتبار فرضية اتهام اسرائيل والقرائن التي قدمت، ومحاكمة شهود الزور وكشف من حرضهم وفبركهم كمدخل واقعي للوصول الى الحقيقة.
ـ لا امكانية لانتظار صدور القرار الظني عن المحكمة والمطلوب من الآن التوصل الى ضمانات وتسوية ما، كما لا إمكانية لقبول مخارج تبقي سيف الاتهام مصلتا على رأس حزب الله لأن التأجيل لن يكون إلا تأجيلا للمشكلة، ولأن اتهام عناصر في الحزب يعني اتهام قيادته بالتورط في جريمة اغتيال الحريري التي لا يمكن ان تكون عمل عناصر غير منضبطة. أما موقف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل فإنه تحدد في النقاط التالية:
ـ التزام الصمت حيال كل ما يتعلق بمسار التحقيق وعمل المحكمة الدولية، وانتظار صدور القرار الظني ليبنى على الشيء مقتضاه.
ـ عدم الرضوخ للضغوط والمحاولات الهادفة الى استدراج الحريري وانتزاع موقف منه قبل أوانه، ومن هذه المحاولات تقويل الحريري ما لم يقله والإيحاء له بما يجب ان يقوله ويعلنه.
ـ رفض مقولة «الاستقرار أو العدالة» ومقولة «المحكمة أو الحكومة» باعتبارها تنطوي على تهديد مبطن، وباعتبار ان الاستقرار لا يمكن ان يترسخ الا بالعدالة التي من دونها تستمر الاغتيالات.
ـ اعتبار ان المحكمة الدولية التي تتمتع بصدقية ومهنية هي المرجع الوحيد الصالح للنظر في كل ما له علاقة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والبت في كل القرائن والمعطيات، ومطلوب من حزب الله ان يتعاون مع المحكمة ويلتزم البيان الوزاري وتوصيات الحوار الوطني.
3 - الأزمة قائمة و«نار تحت الرماد» وأفقها «تغيير حكومي» وإعادة خلط «أوراق الأكثرية»، ان تفادي الوصول الى هذا «المأزق السياسي» الذي لا يمكن ضمان عدم حصول ارتدادات له في الشارع لاحقا، يتطلب فتح حوار مباشر بين الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصرالله يعمل له الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط بتشجيع من دمشق، والمشكلة الآن ان حزب الله لا يجد عند الحريري حتى الآن ما يشجع على إقامة مثل هذا الحوار، وان الحريري ليس لديه ما يقوله في موضوع المحكمة وما يعد به.