تراجع القلق على الوضع الأمني بشكل ملحوظ ولم يعد الوضع رازحا تحت «هاجس 7 مايو ثانية»، بمعنى انتقال الأزمة الى الشارع واللجوء الى القوة العسكرية لحسمها. وهذا الانحسار في موجة القلق الأمني من دون ان يلغي حال الحذر والترقب تقف وراءه 3 أسباب رئيسية:
1- التفاهم السوري - السعودي حول الوضع اللبناني الذي أرسي على قاعدة «الاستقرار والتهدئة». وهذا التفاهم الذي كان ساهم في اجراء انتخابات نيابية هادئة وفي تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري، ينسحب في مفاعيله على موضوع المحكمة الدولية ومن خلفية السعي المشترك الى محاصرة «الفتنة» والحؤول دون تحول القرار الظني المحتمل الى «صاعق متفجر».
2- الاختلاف الكلي في الظروف والوضعية السورية في لبنان بين ما كان سائدا عام 2008 وقبله، وما يسود في العام 2010 وبعده. سورية التي كانت تخوض عبر حلفائها مواجهة مع حكومة لبنانية مناهضة لها وسيف «المحكمة الدولية مصلت فوق رأسها» في ظل عزلة عربية ودولية، نجحت خلال عامين في قلب هذه الصورة رأسا على عقب ونجحت في كسر العزلة وتوسيع مروحة علاقاتها العربية والاقليمية وفي عودة نفوذها ودورها الى لبنان وبالحجم الذي كان قبل خروجها منه العام 2005، وفي توسيع دائرة تحالفاتها لتشمل الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط. وهذا الاختلاف في الظروف والواقع يؤدي الى اختلاف في النظرة الى الوضع اللبناني وطريقة التعاطي معه، وحيث لا مصلحة لسورية في انهيار وضع بات محسوبا لها وعليها وفي حصول فتنة لن تكون في منأى عن شظاياها.
3- التحول الحاصل في ميزان القوى السياسي داخل لبنان بعد تصدع نتائج الانتخابات النيابية واهتزاز الخارطة والمعادلة السياسية المنبثقة عنها وضياع مفهوم «الأكثرية والأقلية».
وهذا الوضع المستجد يجعل حزب الله الذي صار على بينة من مخاطر الفتنة والسقوط في المستنقع الداخلي، ليس في حاجة الى 7 مايو جديد اذا قرر التصدي لأي خطأ أو تهديد ضده، مادامت المعالجة ممكنة بالوسائل السياسية. فالنزول الى الشارع للسيطرة على الأرض حصل قبل عامين من خلفية اسقاط الحكومة وتغييرها، وهذا الهدف ممكن الوصول اليه في الوقت الحاضر بوسائل سياسية وعبر نقل الأكثرية النيابية من ضفة الى أخرى، مع الاشارة هنا الى ان «عملية النقل» هذه غير متيسرة من دون موافقة دمشق وضوء أخضر منها.
في موازاة انكفاء احتمالات وظروف «7 مايو عسكري»، صعدت احتمالات ومقولة «7 مايو سياسي» بمعنى حصول تحول وانقلاب بطرق سياسية ديموقراطية فتحكم أكثرية جديدة وتشكل حكومة جديدة وقف توازنات وصيغة مختلفة عن الحالية (15 – 10 - 5). وتنطلق «فرضية التغيير الحكومي» المطروحة عند حلفاء سورية وأولهم وأهمهم حزب الله، من ضرورة مواجهة تداعيات القرار الظني وأخطاره بحكومة جديدة متماسكة اذا لم تقدر الحكومة الحالية برئاسة الحريري أو لم ترغب في اتخاذ الموقف المطلوب منها في موضوع المحكمة الدولية وعلى طريق الغائها.
والمفارقة هنا ان مسألة التغيير الحكومي مطروحة في المدى المنظور أي في غضون الأشهر القليلة المقبلة سواء صدر القرار الظني قبل نهاية العام أو تأجل الى بدايات العام المقبل. وان التغيير الحكومي يتوقف الى حد بعيد على موقف جنبلاط وكتلته النيابية الوسطية المرجحة والتي مازالت حتى الآن «تصوت» مع الرئيس سعد الحريري في مجلسي النواب والوزراء.
جنبلاط يتفادى كشف ورقته السياسية من الآن في شأن أي تغيير حكومي محتمل، لا بل يتهيب مثل هذا الموقف ويتمنى عدم الوصول الى لحظة القرار الصعب التي تضعه أمام الخيار بين الحريري ونصرالله. جنبلاط لا يرى حكومة أفضل من الحكومة الحالية ولا يرى بديلا عن سعد الحريري في رئاسة الحكومة. يشاطره هذا الرأي حليفه السابق د.سمير جعجع الذي يرى ان «البديل عن حكومة الحريري هو اللاحكومة».