ما يطفو على «سطح» المحكمة الدولية من جهود ورغبات «التهدئة» لا يتطابق ولا ينسجم مع ما يسود تحت السطح من توتر سياسي يلازم موضوع المحكمة ويؤشر الى أزمة قائمة ومستحكمة تراوح مكانها ولم تغير فيها التطورات الأخيرة شيئا يذكر:
1- من جهة يبدي طرفا المواجهة، الرئيس سعد الحريري وحزب الله، استعدادا ورغبة في التهدئة والتزاما بمناخ القمة العربية الثلاثية في قصر بعبدا وسقفها السياسي المحدد في «الاستقرار ومنع الفتنة».
فها هو حزب الله يبدي تجاوبا مع رغبة الحريري بإيداع ما لديه وما عرضه السيد حسن نصرالله من قرائن ومعطيات للقضاء اللبناني الذي يتولى إيصالها الى المدعي العام الدولي دانيال بلمار، وبما يعكس تعاونا غير مباشر من جانب حزب الله مع التحقيق الدولي. وها هو الرئيس الحريري في مجلس وزراء قصر بيت الدين يبدي انفتاحا ومرونة ازاء مبادرة حزب الله الى اثارة موضوع شهود الزور للمرة الأولى رسميا على طاولة مجلس الوزراء.
فلم يكن طرح الموضوع الحساس سببا لتوتر أو تصادم في مجلس الوزراء، وانما جرى استيعابه بسلاسة من الرئيس الحريري عبر تحويله الى وزير العدل ابراهيم نجار لإبداء رأي قانوني شامل به، بدءا من تعريف «شهود الزور» وصولا الى تحديد صلاحية القضاء اللبناني في النظر بهذا الموضوع قبل انطلاق مرحلة المحاكمة الدولية.
2 - من جهة أخرى، وبخلاف المشهد الذي يوحي برغبة الطرفين في ملاقاة عملية التهدئة وتطويرها وصولا الى مخرج للأزمة. فإن مشهدا آخر يوحي بأن الطرفين يتقاذفان «كرة المحكمة» التي تبدو أقرب الى «كرة نار» وسط اتساع الهوة الفاصلة بين موقفين متعارضين:
- حزب الله يعلن بوضوح وصراحة انه يتطلع ويعمل لإلغاء المحكمة الدولية والغاء مفاعيلها والمعاهدة القائمة باسمها، وانه اتخذ قراره بأن أمر المحكمة أصبح بحكم المنتهي لديه وبأنه أوقف كل أشكال التعاون معها ولم يعد من مبرر لمثل هذا التعاون.
- الرئيس الحريري يعلن التزامه بمسار التحقيق الدولي والمحكمة الدولية ويلغي مفاعيل كل المواقف التي نسبت اليه في الأيام الأخيرة.
وتلاقيه الأمانة العامة لـ 14 آذار بموقف يؤكد تمسكها بالمحكمة الدولية كمرجعية حصرية للنظر واصدار الحكم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مشيدة بـ «حرفيتها العالية وحصانتها التامة عن أي مناورات يمكن ان تحرفها عن مقاصدها».
وبين هذين الموقفين، يقع موقف النائب وليد جنبلاط الذي لا يصلح كمساحة مشتركة ومنطقة تلاق وتفاعل لأنه ما زال على درجة عالية من الغموض والاشكالية.