لم تكد اشتباكات برج أبي حيدر بين حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية تتوقف وسط ذهول وصدمة وارتباك الطرفين، حتى سلطت الأضواء بقوة على «الجمعية والأحباش». فالسفارات والدوائر الديبلوماسية اهتمت جدا وفورا بجمع المعلومات عن هذه الجمعية وعن حجم ومناطق وجودها في بيروت وقوتها التنظيمية والعسكرية، والتفسيرات السياسية التي أعطيت لهذه الاشتباكات أتت على ذكر «الأحباش» وان من خلفيات ما حدث تعويم «جمعية المشاريع» ورد الاعتبار اليها على الساحة السنية بعدما كانت واحدة من أبرز المتضررين والخاسرين بعد العام 2005 منذ ان أتى تقرير ميليس على ذكرها كواحدة من الجهات المشبوهة والمتهمة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليتبين بعد سنوات عدم صحة هذا الاتهام. فإذا كان انكفاء «الجماعة» حصل بسبب اتهام أبعدها عن الشارع السني، خصوصا انها كانت شديدة الصلة بسورية آنذاك، فإن عودة «الجماعة» تتم من باب الاشتباك مع حزب الله، مع ما يعنيه ذلك من الحصول على تعاطف الشارع السني ومحو «لآثار المرحلة الماضية الاتهامية».
«الأحباش» هم أتباع «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» والمنتمون اليها، ويكنون بهذا الاسم نسبة لمؤسس الجمعية الشيخ عبدالله الهرري المعروف بـ «الحبشي» والذي جاء الى لبنان من الحبشة في أثيوبيا.
ويتحدث أتباعه عن مواقفه الإسلامية التاريخية مثل «تصديه للمد الشيوعي» في بلاده ومحاربة من ينعتهم الأحباش بـ «الفرق الضالة»، وأقام في مكة المكرمة حينا من الزمن والتقى كبار علمائها، ودرس في المسجد الأموي في دمشق.
انتقل في أوائل خمسينيات القرن الماضي إلى لبنان وأعاد فيه إحياء «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية»، التي كانت تمر بفترة ركود طويلة بعد أن قامت في الماضي ببعض الأعمال الخيرية، وتولى رئاستها على مدار الأعوام الشيخ مصطفى غلاييني والحاج حسين العويني (أحد رؤساء وزراء لبنان السابقين) والشيخ أحمد العجوز الذي تم التواصل معه لكونه رئيسا للجمعية آنذاك، فأعجبته الفكرة، وقام بتسليم إدارتها إلى طلاب ومريدي الشيخ عبدالله الهرري فصارت إطارا جامعا لنشاطهم في المجالات الدينية والتربوية والاجتماعية وغيرها، وتولى رئاستها الشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل في 31 اغسطس 1995.
تولى الشيخ حسام قراقيرة رئاسة الجمعية، بعد الحلبي، وهو ولد في بيروت في العام 1960 في كنف أسرة بيروتية، وتعرف إلى الهرري سنة 1976 منذ صغره وتربى على يديه، وتلقى منه الدروس والمعارف والعلوم، وبعد وفاة مرشد الجمعية العلامة الشيخ عبدالله الهرري في 2 سبتمبر 2008، بايعه طلابه ومريدوه خليفة له. وتمكن «الأحباش» سنة 1992 من الفوز بمقعد في مجلس النواب (عدنان طرابلسي)، في ظل المقاطعة المسيحية الواسعة للانتخابات النيابية.
وتنتسب هذه الجماعة إلى الصوفية الرفاعية، ويعتبر «الأحباش» الخصم التقليدي للمجموعات السلفية وخاصة لتنظيم «الجماعة الاسلامية»، وينتسبون إلى «مذهب الإمام الشافعي في الفقه وأشعرية الاعتقاد أي على مذهب جمهور الأمة المحمدية»، ويحرصون على إحياء جميع المناسبات الإسلامية، كما أن للجمعية مشاركة في المجالس البلدية والاختيارية في عدد من مناطق التواجد السني، وخاصة في مدينة طرابلس، وللأحباش مؤسسات تربوية وإعلامية وصحية وشبابية عدة في لبنان والأردن ومناطق انتشار الجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير 2005، تموضعت الجمعية سياسيا، بعدما أتى تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس على ذكرها، وقال إن «الشيخ أحمد عبدالعال هو وجه معروف في جمعية الأحباش. ثبت أنه شخصية ذات دلالة في ضوء علاقاتها بأوجه عدة من هذا التحقيق، خصوصا عبر هاتفه النقال الذي تبين أنه اجرى عبره اتصالات عدة بجميع الشخصيات المهمة في هذا التحقيق».
لحظة دخول «الأحباش» دوامة التحقيق الدولي، خرجوا من دائرة الضوء، وانكفأت «الجمعية الصفراء» عن العمل الاجتماعي والسياسي. «مشروع الاتهام الدولي»، حد من نفوذ الجمعية بين جمهورها بعدما انطوت على ذاتها، وقد سارعت المديرية العامة للاوقاف الاسلامية اللبنانية حينها للإعلان أنها ستباشر اجراءات قانونية ونظامية لاستعادة عدد من المساجد في بيروت كانت جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية «وضعت يدها عليها بالقوة». ونتيجة لذلك، خرج «الأحباش» من صفوف المعارضة، وانسحب ممثلوهم في لقاء الأحزاب اللبنانية والمنظمات الشبابية والطلابية، ولم يشاركوا لا في اعتصام المعارضة في وسط بيروت ولا في أي نشاط معارض آخر.
وكل ذلك تحت عنوان التهيب من الاحتقان في الشارع السني ضدهم وضد حلفائهم.
اما عودتهم السياسية الأخيرة، فكانت خلال الانتخابات الاختيارية في بيروت (انسحبوا من البلدية)، التي «لونوها» بالأصفر، في خطوة أحيت نشاط «جمعية المشاريع الخيرية الاجتماعية» في العاصمة. بينما عودتهم الى الواجهة جاءت من أزقة بيروت، وتحديدا من تلك المنطقة التي تعد منطقة نفوذ لهم ورفعوا فيها ذات يوم «البلطات والسكاكين»، ليرفعوا فيها اليوم السلاح في وجه حليفهم حزب الله.