بيروت ـ عمر حبنجر
الكلام المالح للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي تناول فيه رئيس الحكومة سعد الحريري وموقفه من احداث برج ابي حيدر، ورد الحريري الفوري لم يفسدا للتهدئة قضية.. فقد تحرك رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط على خطين خط رئيس الحكومة وخط قيادة حزب الله، والاتصالات متواصلة لتثبيت التهدئة وكبح التداعيات، لكن الآمال خجولة.
وكان السيد نصرالله تناول في خطاب يوم القدس امس الأول ما وصفه بالاستغلال السياسي لحادثة برج ابي حيدر حيث سقط ثلاثة قتلى في اشتباك بين مجموعة من حزب الله واخرى من جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش) مشيرا بذلك الى زيارة رئيس الحكومة الى مسرح الاشتباك دون أن يسميه.
نصرالله والملح والسكين في الجرح
وقال نصرالله ان الذين أخطأوا بعد حادثة برج ابي حيدر بعضهم لا نعتب عليه لكن البعض الآخر نعتب عليه، واقول له: انت لم تضع الملح في الجرح، بل وضعت الملح على السكين، ورحت تحركها في قلبنا، لا هكذا يتصرف رجال الدولة، ولا رجال السياسة ولا حتى قادة احزاب، هناك منهجية خاطئة بكل القضايا المطروحة للمعالجة في البلد ويحصل حادث فنتخذ منه ملفا كبيرا جدا ونحن نعلم انه ليس بوسعنا معالجته.
وأضاف: «ملف السلاح وانتشار السلاح في لبنان ملف بهذا المستوى من التعقيد والتداخل الاقليمي سواء السلاح اللبناني أو الفلسطيني يحتاج الى الحكمة والوقت، وإذ نطلع من حادثة برج ابي حيدر بدنا نأخذ قرارات خلال يومين أو ثلاثة». وسنرى من سيتحدى هذه القرارات في إشارة الى ما قاله الحريري عقب الحادثة.
وقال نصرالله: هذه منهجية غلط.. لا هكذا تعالج مسائل السلاح ولا ملف المطالب العمالية ولا ملف الكهرباء ولا حتى الاصلاح السياسي والاداري يعالج هكذا. وعن ملف التحقيق الدولي قال نصرالله انه غير معني بالمحكمة أو بردود بلمار وانه على استعداد لتقديم كل المعطيات للقضاء اللبناني لكنه يرفض ان يتحول القضاء الى صندوق بريد للمحكمة الدولية.
وقال عن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين: إنها ولدت ميتة.
الحريري: أحمل قلماً لا سكيناً
وتوارد الحريري على كلام نصرالله الذي استهدفه دون أن يسميه بالقول «بالنسبة لي، أنا أذهب حيثما أشاء ولا أحد يحدد لي إلى أين أذهب، كما أني لست أنا من يحمل السكين، فأنا لا أعرف ان أحمل سكينا، بل أحمل قلما وأعطي كتابا وأعلم أناسا، أنا ابن رفيق الحريري، ورفيق الحريري هو رجل الدولة الأول، أنا انسان متواضع وسأبقى متواضعا بإذن الله، ومن أراد أن يفهم فليفهم، وبيروت هي لكل اللبنانيين، لكنها ليست عرضة للسلاح ولا أن تنتهك بيوت الناس فيها، نصف سكان لبنان يعيشون في بيروت، وبيروت في كل الحروب الاسرائيلية التي مرت هي التي احتضنت المواطنين، فهل هكذا نكافئ بيروت؟ هل هكذا نكافئ أهل بيروت؟ كلا ليس هكذا، وأنا قلت منذ البداية اني أريد الهدوء والكلمة الطيبة، ولكن حين تصبح بيوت الناس وممتلكاتهم عرضة للانتهاك، هل المطلوب ان نقف متفرجين دون ان يكون لنا الحق في إبداء الرأي او الكلام؟ فهذا الكلام مرفوض، وهذا العمل مرفوض، لنتواضع قليلا وننزل الى الأرض وننظر الى مشاكل الناس ونرى ان هؤلاء الناس لديهم الكثير ليقولوه سواء بالنسبة لملف الكهرباء او المياه او الحياة الاجتماعية او ما يعانون منه من عدم الاستقرار، كل هذه الأمور يجب ان ننظر اليها بوعي، وإلا فإننا سنخسر لبنان، لذلك أجدد القول ان الهدوء هو المطلوب وكذلك الكلمة الطيبة، وأنا منذ بداية هذا الشهر الكريم أردد هذا الأمر، وسأكمل في هذا الطريق لأنني مقتنع بأنه فقط بالكلمة الطيبة وبالحوار يمكننا ان نحقق الانجازات، اما ان تقع المشاكل على الأرض وممنوع الكلام حولها فهذا أمر غير مقبول، ولا يزايدن أحد علينا في هذا الشأن او يقول لنا ما علينا ان نقول بشأنه».
ما من طائفة تتغلب على أخرى
وكرر الحريري تأكيده على أهمية العيش المشترك بين اللبنانيين، وقال: «مهما ظن البعض ان هناك طائفة تستطيع ان تغلب أخرى في هذا البلد فإن هذا أمر مستحيل لأن الثمن يدفعه لبنان واللبنانيون، وبعضكم عايش الحرب الأهلية التي وقعت في لبنان، فمن استفاد منها؟ لا احد استفاد والحل كان في النهاية الجلوس حول طاولة واحدة في الطائف وحل الموضوع بالسياسة، والطائف هو دستورنا ويجب ان نحترمه، ونؤمن بالعيش المشترك بين جميع اللبنانيين ونلتزم المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وقبول الآخر، قد يتحدث هذا الآخر بمنطق نرفضه، لكن علينا ان نستمع ونقول رأينا ولكن بالهدوء وبالكلمة الطيبة دون صراخ وضجيج.
نتطلع للصلاة معا في الأقصى
وكان تأييد الحريري للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في واشنطن أثار انتقادات حادة من جانب حزب الله وحلفائه في المعارضة، الى درجة مطالبته من قبل الوزير السابق وئام وهاب، الوثيق الصلة بحزب الله وبدمشق، بالاستقالة، فضلا عن تفوهه بعبارات جارحة وممجوجة.
ورد الحريري في افطار الجمعة على هذا بالتطرق الى «قضية العرب الأولى فلسطين» التي نعيشها الآن بكل جوارحنا القومية، ونتطلع من خلالها الى الساعة التي نصلي فيها معا في المسجد الأقصى ونشهد على تحرير القدس الشريف.
جنبلاط يتدخل
وبحسب صحيفة «السفير» فإن النائب جنبلاط تلقى اتصالا من الحريري حيث أبلغه عتبه على انتقادات نصرالله، وقد دعاه جنبلاط الى التزام التهدئة وعدم التفريط في الاستقرار خاصة بعد أحداث برج أبي حيدر.
وقد أجرى جنبلاط اتصالات بهذا المعنى مع قيادة حزب الله، لكن الآمال خجولة.
وفي معلومات لـ «الأنباء» ان محاولات جرت لجمع الحريري ونصرالله منذ فتح ملف قرار الاتهام الدولي والايحاء باحتمال اتهام بعض عناصر الحزب بالتورط، الا انها باءت جميعا بالفشل، فيما استمر التواصل بين بيت الوسط وقيادة الحزب من خلال الحاج حسين خليل، المعاون السياسي لنصرالله.
خطان مستقيمان لا يلتقيان
وفي تقدير الأوساط المتابعة لـ «الأنباء» ان الموقف المتعارض جذريا من المحكمة الدولية الناظرة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، جعل العلاقة السياسية بين الحريري ونصرالله، وتاليا بين حزب الله وتيار المستقبل أشبه بالخطين المستقيمين اللذين لا يلتقيان أبدا، وإذا أضفنا العوامل الاقليمية المانعة، نصل الى الخلاصة عينها، وبالتالي الى استنتاجات، سارة للأعداء ومؤلمة للأصدقاء.
ووسط هذه المعمعة، رأى النائب الكتائبي نديم الجميل ان سلاح حزب الله في بيروت موجه الى الداخل، وليس الى الخارج.
الجميل كان يتحدث في لقاء تحت شعار «بيروت منزوعة السلاح»، دعت اليه «القوات اللبنانية» في فندق الكسندر في الأشرفية.
من جانبه وزير السياحة فادي عبود «التيار العوني» قال في تصريح له، كنت أتمنى لو كان ما قيل قد قيل بين الرجلين وجها لوجه، وليس بالإعلام.
وعن انفجار ما وصف بمستودع أسلحة لحزب الله في الشهابية، جنوبي الليطاني، قال: ان وجود أسلحة للمقاومة هناك لا يزعجني، فتجاربنا مع اسرائيل وفي التاريخ ومنذ ما بعد 1967، لا تشجع، ففي حين يتفاوضون في واشنطن يستمر بناء المستوطنات في القدس، وبالتالي ربما لغة القوة هي وحدها الممكن ان توصلنا الى السلام، فإذا لم تكن لدى المقاومة مخازن سلاح جنوب الليطاني، تكون غير قادرة على أي عمل، فضلا عن ان السلاح في لبنان موجود في كل بيت.
وقال عبود: الشعوب التي لا تتعلم من تجاربها، الشعوب التي يعرف عدوها ردة فعلها، تعيش في خطر دائم.
واضاف: ليس ان الحادث فردي، المهم ردات الفعل، وكم كنت أتمنى على العقلاء ورجال الدين ان يقلبوا هذا الموضوع ليس بين الأحباش والحزب وحسب، بل ان تعمم الافطارات واللقاءات ونجمع الناس في بيروت، ونبدد قلقها وفقدانها الثقة.
ولاحظ عبود ان كل الأحداث التي نشهدها في لبنان ومصر والسودان وبالمنطقة كلها، سبق ان تناولها المفكرون والكتاب الاسرائيليون في الثمانينيات، وقد بشرونا بكيفية قلب المجتمع اللبناني الى مجتمع طائفي متزمت، شيعة، وسنة، ولبنان آخر في مصر، والعلويون في سورية، ولا أحد منا أخذ درسا.
بدوره الوزير السابق للمال جهاد أزعور وردا على سؤال لإذاعة صوت لبنان، قال معلقا على الموضوع نفسه: لا شك أن هذا الكلام يعبر عن تشنج متبادل يعكس المرحلة اللبنانية الراهنة، ومن الممكن ان تكون هناك اختلافات سياسية بين القادة السياسيين، لكن من الأفضل ان تكون هناك قنوات تواصل تنقل مثل هذه الحوارات، لأن معظم الشارع لا يملك القدرة على تحليل هذا الكلام انما يأخذه بشكل مباشر ويتحول الى تشنج وتباعد.
ولاحظ ازعور انه رغم كل ذلك، فإن الألفة بين اللبنانيين، على اختلاف عائلاتهم الدينية، والتي هي أقوى منها لدى شعوب أكثر تقدما ورقيا، مازالت تحول دون اتساع دائرة التباعد، ودعا القيادات اللبنانية الى اخراج لبنان من عين العاصفة، بدلا من دفعه اليها، على اعتبار انهم الأكثر وعيا.
مجدلاني: نحن أصحاب بيروت
وعلى صعيد الفعل ورد الفعل، رد نائب بيروت على خطاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، بالقول ان مطلب «بيروت منزوعة السلاح» جاء نتيجة تراكم أحداث أظهرت ان وجود السلاح غير الشرعي يمكن ان يحول الحادث الى فتنة تشمل كل الأراضي اللبنانية.
وحول قول قاسم ان بيروت ليست ملكا لأحد قال مجدلاني: نحن أصحاب بيروت شاء من شاء وأبى من أبى وسنكون خط الدفاع الأول عنها، مضيفا أن من مصلحة حزب الله ان تكون بيروت منزوعة السلاح.
ديب: بل عاصمة للكل
النائب حكمت ديب عضو تكتل الإصلاح والتغيير اعتبر من جهته في حديث لإذاعة لبنان الحر، ان بيروت عاصمة للكل، وان المؤسسة العسكرية يجب ان تبقى على الحياد في أي صراع سياسي، لافتا الى ان جولة الحريري بعد الحادثة لم تساعد على لملمة الموضوع.