بيروت ـ محمد حرفوش
الهاجس الحقيقي الذي تعيشه قوى 14 آذار يتجاوز ما قاله الرئيس سعد الحريري لصحيفة «الشرق الاوسط» على دقته واهميته وتداعياته، الى ما يمكن ان يلي او يستتبع هذه الخطوة ـ الاستدارة، بمعنى هل ما صرح به يشكل نهاية المطاف ام بدايته؟ لا شك ان تقويم هذه المسألة يختلف بين ضفتي النزاع حيث يعتبر الحريري ان هذا اقصى ما يمكن تقديمه من تنازلات، بينما يعتبر الطرف الآخر ان هذه الخطوة ما هي الا بداية باعتبار ان من يبرئ سورية بامكانه تبرئة حزب الله ومن يتهم شهود الزور بتضليل التحقيق بامكانه اتهام القرار الاتهامي بتضليل المحكمة واخفاء الحقيقة.
لقد تمكنت 14 آذار بحسب مصادرها من استيعاب الصدمة والتعامل معها بواقعية انطلاقا من ان ما قاله الحريري لا يلزم شخصا غيره، وان كلامه عن شهود الزور لا يعدل شيئا في مسار المحكمة الدولية، وان مراجعة العلاقة مع سورية هي مسألة غير مستجدة وبدأت منذ زيارته الاولى الى دمشق، واستكملت بتعميمه على وسائل اعلامه بعدم تناول دمشق بالسوء والتمييز بين سورية وحزب الله، كما ان استيعاب الصدمة جاء ايضا بعد استعراض الخيارات المتاحة والتي اظهرت ان الخيار الوحيد هو الحد من الخسائر ومواصلة المواجهة كأن شيئا لم يحصل، لأنه اذا كان التسليم بالسقف الذي وضعه الحريري مستحيلا فإن مجرد التفكير في العودة الى المربعات الطائفية هو انتحار جماعي ووطني لأنه سيمكن سورية من العودة الى لعبتها القديمة والمفضلة مما يطيح بالاستقلال ويعيد اللبنانيين الى حقبة الحروب الباردة بين الطوائف وداخل هذه الطوائف، وآخر دليل توسطها بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد ميشال عون وقفا للسجال بينهما مع ايحائها لكل منهما بأنه على حق وهكذا دواليك.
في اي حال، ثمة من يعتقد ان الاستدارة السياسية للحريري لا تكتمل الا بصياغة علاقة مريحة مع حزب الله باعتباره «الخيط الابيض» الفاصل في العلاقة مع سورية، اذ انه وبقدر ما يشكل طي صفحة «الاتهام السياسي» لسورية شرطا يبدو انه كان مطلوبا لارساء العلاقة القائمة بين الرئيسين بشار الاسد وسعد الحريري على اسس اكثر متانة، فإن طي هذه الصفحة لا يقفل الباب في وجه الاتهام الآخر المستمر والذي يجري تداوله على نطاق اعلامي واسع، وهو الاتهام الذي يطاول حزب الله والذي بسببه جنّد الحزب كل امكاناته السياسية والاعلامية للطعن في صدقية المحكمة الدولية وللقضاء على القرار الاتهامي المنتظر قبل ان يبصر النور، اذ في هذه النقطة بالذات يرى الحريري ان للمحكمة مسارها الذي لا علاقة له باتهامات سياسية متسرعة، فالمحكمة لا تنظر الا في الدليل وهناك اجراءات قانونية معروفة من ادعاء ودفاع وغيرهما، وكما هو واضح من هذا الكلام فموقف رئيس الحكومة من عمل المحكمة ومن الطبيعة القانونية للقرارات التي ستصدر عنها مختلف بالكامل عما يراه حزب الله، وبقدر ما يرتاح الحزب وحلفاؤه اللبنانيون الى المراجعة التي اجراها الحريري للاتهام الذي كان موجها الى سورية، فإنهم، لابد، يتحفظون على نظرته الايجابية الى المحكمة التي يرى انها لا تنظر الا في الدليل، ما يفهم منه تسليم مسبق بالاتهامات التي ستوجهها والاحكام التي ستصدر عنها، ويزيد من هذا التحفظ ان حديث الحريري يلتقي مع التصريح الذي ادلى به مؤخرا مدعي عام المحكمة دانيال بلمار ورد فيه على اتهام حزب الله المحكمة بالتسييس، مؤكدا ان «القرار الذي ستصدره لن يكون قرارا سياسيا».
واذا كانت مقابلة الحريري احدثت ارباكا 14 آذاريا، فعلى ما يبدو انها جعلت «الفأر يلعب في عب الحزب».
ورغم كل ذلك، فإن المعلومات رجحت عقد لقاء «غسل قلوب» بين الحريري والسيد حسن نصرالله ربما بعد عيد الفطر، وذلك انطلاقا من تحرك ثنائي يتولاه الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط لاعادة وصل ما انقطع بين حارة حريك وبيت الوسط.