- مواقف الحريري بداية جيدة يجب استكمالها لإعادة الشمل اللبناني
- لست ممن يبني علاقاته مع الأطراف السياسية على أسس موسمية أو عابرة
- أرسينا معادلة الشعب والجـيش والمقـاومـة وكلفتنا تضحيات ضخمة
- تواصلنا مع القيادة السورية عائلي ومتجانس في المواضيع والقضايا الوطنية
- معـالجة الملفات الخلافية تفترض ضابط إيقاع له الإمرة وشركاء في الوطن
بيروت ـ داود رمال
يستمر الرئيس العماد إميل لحود في تحديد مواقفه من التطورات المتلاحقة تحت سقف الثوابت الوطنية ليكتشف من يحاوره أنه «لم يغير ولم يتغير» ومازال هو هو.. مباشر وصريح ويسمي الأشياء بمسمياتها، وقد تتفق أو تتعارض معه إلا أن قاسما مشتركا بين الامرين يجمع عليه اصدقاؤه وخصومه بأنه صلب في مواقفه الى حد «العناد».
ورغم الود المفقود مع اللواء جميل السيد فإنه يرى ان تصريحاته الاخيرة تعبر عن واقع معيش ومؤلم بعدما فقد المظلوم قضاء يلجأ إليه لرفع الظلم الواقع عليه وهو إذ يفضل عدم الخوض في مسألة الجفاء في علاقته مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فإنه يغمز من قناته عبر القول ان الملفات الخلافية المطروحة تفترض ضابط ايقاع له الإمرة وشركاء في الوطن ينظرون في اتجاه واحد ولا يتحاورون زيفا على مواضيع محسومة، وفي حين يعتبر مواقف رئيس الحكومة سعد الحريري الاخيرة أنها بداية جيدة الا انه يعتبرها خطوة تحتاج الى استكمال لإعادة الشمل اللبناني بعد الاقرار بالأخطاء الجسيمة.
مذكرا بأنه هو من ارسى مكامن قوة لبنان بإرسائه معادلة الجيش والشعب والمقاومة مؤكدا انه ليس ممن يبني علاقات موسمية او عابرة مع الاطراف السياسية وانما على اساس الثواب والخيارات واصفا ما جرى بينه وبين النائب وليد جنبلاط بأنه مصارحة وليس مصالحة.
ولا يخفي الرئيس لحود ان تواصله مع القيادة السورية هو تواصل عائلي ومتجانس بالكامل في المواضيع الوطنية والقضايا المركزية، مجددا التحذير من خطر التوطين الذي يهدد الكيان اللبناني، ويرى ان كل تفاهم عربي ايجابي ومطلوب لاسيما اذا كانت سورية في صلبه، وختم بتوجيه الشكر والتحية الى الكويت الشقيقة قيادة وشعبا.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
أثارت تصريحات اللواء جميل السيد زوبعة سياسية من التهديدات الى الاتهامات حول ملف المحكمة وشهود الزور وصولا الى التشكيك بكل مقومات الدولة، هل صورة الوضع بهذه القتامة برأيكم؟
ان تصريحات اللواء جميل السيد الاخيرة اتت عالية النبرة في الشكل والمضمون، الا انها تعبر عن واقع معيش ومؤلم، سواء على الصعيد الشخصي او على الصعيد العام فهل من الطبيعي الا يجد مظلوم قضاء يلجأ اليه لرفع الظلم عنه او للاقتصاص ممن تسبب له في هذا الظلم، والمقصود شهود الزور ومحرضوهم الذين لايزالون يسرحون ويمرحون في حين انهم ضللوا التحقيق وادخلوا ابرياء الى السجن سنوات طوالا، هم رؤساء اجهزة امنية وآخرون اسروا وطنا وشعبا بأكمله في حالة من التشرذم والتجاذب الحاد، وفاقموا العلاقة مع الشقيقة سورية واضاعوا حقيقة الاغتيال الذي اودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وضربوا مصداقية المحكمة الخاصة بلبنان، على ما اقر بذلك رئيس حكومة لبنان سعد الحريري بنفسه، ومن ناحية اخرى اين الدولة بسلطاتها الدستورية كافة واين الموقف الرسمي الواحد والمتماسك من ملفي المحكمة وشهود الزور؟!
مطلوب ضابط إيقاع
ما وجهة نظركم حيال كيفية معالجة الملفات الخلافية المطروحة؟
ان معالجة الملفات الخلافية المطروحة تفترض وجود ضابط ايقاع له الامرة وشركاء في الوطن ينظرون في اتجاه واحد ولا يتحاورون زيفا على مواضيع محسومة، واثبتت بشكل ملموس انها ظللت انتصارات مبينة للبنان على العدو الاسرائيلي، المهم ان يبادر المسؤول، اي مسؤول، الى اتخاذ الموقف الذي يمليه عليه ضميره الوطني وان يتجاوز المصالح الشخصية والحسابات السياسية الضيقة وان ينظر الى الشأن العام على انه في خدمة الشعب والوطن، ان الشركاء في الوطن لا يصفون حساباتهم بتوسل الخارج، وهذا الكلام ليس انشائيا او «طوباويا» بل متأت عن خبرة في مراكز قيادية وريادية على مدى ثمانية عشر عاما.
مواقف الحريري بداية جيدة
الا ترون ان مواقف الرئيس سعد الحريري الاخيرة كفيلة بتصحيح مسار بعض الامور خصوصا انه لم يمانع في طرح مسألة شهود الزور وكل ما له علاقة بالمحكمة الدولية امام مجلس الوزراء؟
ان مواقف الرئيس الحريري الاخيرة بداية جيدة لرجل يتلمس طريقه في الحكم، ان العلاقة مع سورية الشقيقة هي حقا علاقة عصية على المؤامرات الرخيصة والمشاريع المشبوهة، الا ان خطوة الحريري تلك يجب ان تستكمل اعادة الشمل اللبناني بعد الاقرار بأن اخطاء جسيمة ومقصودة قد لحقت بالعهد السابق وبرموزه وبالوطن وشعبه، وبهؤلاء الناس الذين اعتقدوا لوهلة، وبغفلة من الزمن وتحت وطأة تآمر المتآمرين وزيفهم، ان اغتيال الحريري تم على يد اشقاء او شركاء في الوطن.
ويجب على الرئيس الحريري ان يسعى الى كشف شهود الزور ومحاصرتهم والتضييق عليهم ومساعدة القضاء اللبناني في عملية استكشاف مقاصد هؤلاء ومحرضيهم ومحركيهم مهما علا شأنهم، ذلك ان مصير الاوطان لا يمكن ان يكون رهنا بمزاجية متآمر او مأمور، ولولا صمودنا في الموقع الاول وتصدينا للمخالفات الدستورية الجسيمة التي ركب اصحابها موجة الاغتيال للالتفاف على الحكم والدستور لسقطت الدولة وانهار الهيكل على الجميع، قليل من الوعي السياسي والوطني لدى الحريري الابن يبعده عن اجواء التآمر والتزلف الرخيص ويدخله في قلب تحديات المرحلة ليكون مسؤولا قادرا على التحكم في وسائل المعالجات المطلوبة.
الجبهة الوطنية متروكة للتطورات
أين يجد الرئيس اميل لحود نفسه وسط هذا الخضم؟ وهل مازال مشروع الجبهة الوطنية برئاستكم قائما؟
لقد انصرفنا الى المهام الوطنية منذ تركنا سدة الرئاسة، وعيننا لم تبرح ساهرة على الوطن وعلى مكامن قوته التي ارسيناها، اي تلاحم الشعب والجيش والمقاومة في ابهى صوره، ما مكن لبنان من بلوغ المرتبة الاولى بين دول العالم في الاستقرار الامني عشية الاغتيال المشؤوم، كما مكنه من تسجيل اروع الانتصارات على العدو الطامع بأرضه وخيراته، اما مشروع الجبهة الوطنية، فأمر متروك للتطورات المتسارعة التي يعود فيها كل يوم مسؤولون وقادة رأي عام الى خياراتنا الاستراتيجية والسياسية الكبرى التي اثبتت صوابيتها.
لسنا من هواة السياسة بمفهومها المتداول
كيف هي علاقتكم مع الاطراف السياسية في البلد؟
نحن لسنا ممن يبني علاقاته مع الاطراف السياسية على اسس موسمية او عابرة او من باب التموضع، ذلك اننا لسنا من هواة السياسة بمفهومها المتداول والضيق فمن يلتقي من الاطراف السياسية مع ثوابتنا وخياراتنا ومسلماتنا ويحافظ على ميثاق العيش المشترك الذي هو دستورنا ويحرص على مكامن قوة لبنان التي هي في قوته وليس في ضعفه، يكون قريبا منا ونرتاح اليه، فان مصلحة الوطن والشعب تسمو فوق كل سياسة وتحالف سياسي وتموضع عابر.
مصارحة لا مصالحة مع جنبلاط
بعد المصالحة مع النائب وليد جنبلاط، متى نرى الرئيس لحود في المختارة؟
ما جرى مع النائب وليد جنبلاط ليس مصالحة بل مصارحة وتقويم لمرحلة سابقة شابها ما شابها من حدة، وقد وجدنا معا ان مساحة التلاقي تاريخيا وعائليا ووطنيا هي اوسع من رقعة الخلاف العابر، لذلك نكون في المختارة في اي زمن او اي وقت كأننا في بيتنا وفي اي بقعة اخرى من لبنان، ولم نعتبر يوما المختارة كأنها بيت مقفل او متحجر، ان البيوت الوطنية المفتوحة هي بيوت تواصل وطني ضروري في هذه الاوقات العصيبة.
التواصل حار مع سورية
هل مازال تواصلكم مع القيادة السورية على حرارته؟
كان ومازال وسيبقى تواصلنا مع القيادة السورية تواصلا حارا وعائليا ومتجانسا بالكامل في المواضيع الوطنية والقضايا المركزية، ان علاقتنا مع سيادة الرئيس الراحل حافظ الاسد كانت مبنية على الثقة المتبادلة والود الصادق واحترام القيم التي في كل منا، وقد انتقلت هذه العلاقة بصورة طبيعية وعفوية واستمرت وتعززت مع اخي سيادة الرئيس د.بشار الاسد، حتى بلغنا معا مرحلة الائتمان والاطمئنان المتبادلين على مصالح بلدينا وشعبينا الشقيقين، وما نشهده
اليوم هو عودة كبار قادة الرأي في لبنان الى جذور تلك العلاقة بعد تيه او ضياع او خطأ في التقدير، وانسياب طبيعي ومتناغم في قلب هذه المعادلة القائمة على ان لبنان وسورية لا يمكن على الاطلاق ان يكونا على طرفي نقيض في الخيارات الاستراتيجية والسياسية الكبرى.
المخاوف من التوطين
هل مازلتم على مخاوفكم من التوطين، وماذا عن المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية المباشرة برأيكم؟
نعم مازلنا نخاف من التوطين، وقد حاولنا جاهدين طوال عهدنا وبعد ان استشرفنا هذا الخطر في وقت اعتبر البعض انه مجرد «فزاعة»، ان نعود الى مقدمة دستورنا التي تنص صراحة على انه لا تجزئة ولا توطين في جمع لغوي غير عفوي لخطرين متلازمين والجاثمين ثقيلا على قلب الوطن، وقد ادرجنا بصلابة مواقفنا بند حق العودة في صلب المبادرة العربية التي اطلقتها قمة بيروت عام 2002، حتى ان بعض العرب استاء منا واعتبر ان المبادرة منزلة وانه لا يجوز ادخال اي تعديل على مضمونها، وما يزيد من مخاوفنا ان المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية بدأت تتعثر ولم تنطلق بعد وان السلطة الفلسطينية قد اشارت صراحة في جدولة المفاوضات الى انها تصر على حق عودة اللاجئين الى ديارهم، الا ان هذا الحق قابل لصيغ من الحلول المبتكرة، وان التساهل من السلطة الفلسطينية يقابله تصلب اسرائيلي شرس يتمثل في ان هذا الموضوع غير قابل للمفاوضة وانه لا حق عودة ولا من يحزنون، ان التوطين يضرب الكيان ويشرذمه، وقد احتاط اتفاق الطائف لهذا الخطر فادرجه مرتبة التجزئة والتقسيم، اي القضاء على لبنان الواحد والشعب الواحد والقوة الواحدة في وجه الاطماع والمؤامرات المشبوهة التي تحاك ضد الوطن.
شعار أرسيناه
ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة التي تعتمدها الدولة اليوم الا تحمل لبنان من الناحية العملية، اوزارا يمكن تجنبها؟
ما تعتمده الدولة اليوم من معادلة «الشعب والجيش والمقاومة» المدرجة في البيان الوزاري للحكومة الحالية هو، على ما قلنا، ترجمة لشعار ارسيناه على ارض الواقع ولم نتبجح فيه اعلاميا او انشائيا فقط، ولقد كلف ارساؤه الشعب والجيش والمقاومة تضحيات ضخمة لا تقاس بالاحجام اذا ما نظرنا الى الانجازات التي تحققت من جراء هذه المعادلة، نحن بدأنا بارساء عقيدة الجيش القتالية على اسس وطنية بعد توحيد ألويته وافواجه وعديده، ونحن دعمنا المقاومة الخارجة من رحم هذا الشعب الابي على مساحة الوطن، لاسيما في مناطق التماس مع العدو، وامسكنا بيد الشعب لندله الى السبيل الصحيح.
كل تفاهم عربي إيجابي ومطلوب لاسيما إذا كانت سورية في صلبه
أكد الرئيس لحود ان كل تفاهم عربي ايجابي ومطلوب، لاسيما اذا كانت سورية في صلبه، ذلك انها ترغب صادقة بالتهدئة في لبنان، وان المملكة العربية السعودية لها ايضا مصلحة في التهدئة، الا ان مثل هذا التفاهم قد لا يكفي بحد ذاته، بالرغم من تفوق اهميته على سواه من التفاهمات ذلك ان المتربصين شرا بالبلد لا يتورعون عن توسل اي وسيلة لضرب مكامن القوة في لبنان ومعادلة «الشعب والجيش والمقاومة» التي ارسيناها منذ 1990 والتي حققت ما حققت من انجازات مبينة وطمرت تحت التراب الى غير رجعة مقولة ان قوة لبنان في ضعفه وسياسة الورقة البيضاء والحياد وما شابه من تصرفات رمادية باهتة كالارض القاحلة التي لا تنبت الا الذل والهوان.