عدنان الراشد - داود رمال
تصوير: محمود الطويل
ركزت المواجهة الجسورة التي خاضتها وحدة من الجيش اللبناني مع قوة اسرائيلية تجاوزت الحد على محور العديسة في الثالث من اغسطس الماضي، الاضواء على الجيش اللبناني كقوة اقليمية تتمتع بارادة القتال وبالجهوزية الدائمة لمقارعة العدو، بمعزل عن التفاوت الهائل بالامكانيات العسكرية.
لكن تلك المواجهة التي افقدت الجيش شهيدين اضافة الى مراسل صحافي هو عساف بورحال، مقابل مقتل ضابط اسرائيلي برتبة مقدم فتحت العيون على اهمية ايلائه الاهتمام الفعلي الذي يستحق وما يستحقه الجيش اللبناني معروف، فهو ليس بحاجة للارادة ولا العقيدة القتالية، انما السلاح القادر على التكيف مع المقتضيات الميدانية والتحرر من شروط البائع، ومن مكابحه السياسية وهذا ما هدف الرئيس ميشال سليمان الوصول اليه عبر اطلاق حملة لدعم تسليح الجيش من موقع الحدث المشرف في العديسة.
ما حك جلدك غير ظفرك
الاحداث الامنية والسياسية الطارئة المتصلة بالمحكمة الدولية ومقدماتها واستتباعاتها لم تسمح لهذه الحملة الوطنية ان تأخذ مداها لكن ذلك سيحصل في ظل اصرار الدولة وقناعة اللبنانيين بأن ما حك جلدهم غير ظفرهم في نهاية المطاف.
فالجيش هو حزام الأمان للوطن، لوحدة اطيافه ولقواسمها المشتركة ولاهدافها المتوحدة، وهو بقدر ما يكون قادرا وجاهزا بقدر ما يبلي حسنا في الملمات الداخلية وحتى في المنعطفات الخارجية، وما حدث في العديسة نموذج عن التعبئة الوطنية والاستعداد للمبادرة والتضحية. ضمن هذه الاعتبارات والمفاهيم طرح الرئيس سليمان حملة دعم الجيش وضمنها ايضا تحرك القائد العماد جان قهوجي.
والحملة تشـــــمل كافة الاسلحة البرية والبحرية والــــجوية وتقع ضمن الاخيرة صفـــــقة المروحيات الروسية البديلة لطائرات ميغ 29 المجانية الثمن الباهظة الكلفة التشغيلية بالاضافة الى المساعدات الاميركية المسموح بها.
باب سلاح البحر
«الأنباء» التي كانت لها متابعات ميدانية للجيش اللبناني جنوبا وبقاعا، على محاور الألوية في بنت جبيل وتبنين ومرجعيون، وفي قاعدة الطوافات في رياق، قرعت هذه المرة باب سلاح البحرية اللبنانية، وعقدة الحزام المسؤول عن أمن البحر اللبناني الواسع.
هذا الجزء العضوي من الجيش، كما هو الحال في كل جيوش الدول البحرية، مهماته اكبر من قدراته التسليحية، وطموحاته اعظم من تلك الامكانات المتوافرة بين يديه.
الرهان على الكفاءة البشرية
لكن الكفاءة العلمية والشخصية كانت دائما رهان اللبنانيين في مواجهة قلة العدد او تواضع المعدات، فسلاح الجو اللبناني عندما اعيته الظروف في الحرب على الارهاب في مخيم نهر البارد، اضطر الى تحويل المروحيات الى قاذفات قنابل معدة لطائرات الهوكرهانتر الاثرية، التي انبعثت كطائر الفينيق، من رماد الزمن الموغل في القدم، والمتسارع النسيان.
لكن رغم جذورهم البحرية، وخبرتهم في صناعة السفن، لم يحافظ لبنانيو العصر الحديث على ريادتهم في هذا الحقل.
هذا السلاح انشئ في العام 1950 اي بعد خمس سنوات من نشوء الجيش اللبناني، وتمركز في الحوض الاول من مرفأ بيروت المنشأ عام 1893 في زمن السلطنة العثمانية.
أول مركب حربي
وفي العام 1954 وبحضور رئيس الجمهورية يومذاك، كميل شمعون جرى رفع العلم اللبناني على مركب حربي، لاول مرة، وفي العام 1972 انتقلت القوات البحرية الى مرفأ جونية بعد تسلم مباني قاعدة جونية البحرية.
وفي العام 1973 جرى انشاء مدرسة سلاح الدفاع البحري والمباشرة وفي العام 1982 استبدل اسم سلاح الدفاع البحري «بالقوات البحرية» استنادا الى قانون الدفاع، وفي العام 1992، جرى انشاء قواعد بحرية في مرافئ صيدا وصور وطرابلس، وآخر اهم التجهيزات البحرية كان انشاء شبكة رادارية حديثة على طول الشاطئ اللبناني بهبة من المانيا، وقد زاد عدد المحطات الرادارية لتغطي المسطح المائي الاقليمي.
وتفخر البحرية اللبنانية التي تضم نحو 1500 رجل، بنيل أحد ضباطها الملازم أسعد الترك سيف الملكة إليزابيث متقدما على ست دورات تدريبية لضباط من مختلف الجنسيات بإحدى الكليات البريطانية المميزة.
انها المرة الأولى في تاريخ الكلية الملكية البحرية البريطانية التي يتفوق فيها ضابط غير بريطاني، ويحصل على سيف الملكة إليزابيث، كجائزة تمنح للأفضل والأجدر من بين نحو 1500 ضابط بحري بريطاني وأجنبي من مختلف البلدان.
هذا الضابط هو الملازم البحري اللبناني أسعد الترك الذي تابع دورة دراسية في بريطانيا وتم اختياره من بين 6 دفعات متتالية من الضباط البحريين، ليكون الأجدر لتسلم سيف ملكة بريطانيا الذي يرمز الى الشرف والقوة والقيادة الملوكية وهو من أرقى الجوائز وأرفعها قيمة.
الملازم الترك تابع دورة دراسية في الكلية الملكية البحرية في «دارتموث» على مدى 11 شهرا تألق خلالها هذا الضابط اللبناني ليتخرج في نهايتها حاملا سيف ملكة بريطانيا.
المناخية القاسية دليل ساطع على شجاعة هؤلاء الرجال وعلى روح المسؤولية والتضحية التي يتحلون بها، وعلى قدرتهم على ابتكار الأساليب الكفيلة بتذليل العقبات وتعويض النقص في الوسائل والعتاد.
هذه الصورة بدت لنا جلية، خلال جولة ميدانية في القاعدة البحرية القيادية في مرفأ بيروت، حيث تلمسنا التحفز للبذل والعطاء الى جانب الشعور بالحماس لطروحات الرئيس سليمان الهادفة الى توفير الامكانيات لبنانيا وعربيا ودوليا لتسليح الجيش اللبناني الى الحد الذي يمكّنه من تحمل مسؤولياته الداخلية والخارجية.
مهمات نفذتها القوات البحرية
نفذت القوات البحرية في السنوات الأخيرة مهمات عديدة أبرزها:
- ـ القيام بدوريات في المياه الإقليمية.
- ـ عمليات بحث وانقاذ (300 عملية).
- ـ مكافحة إرهاب وحصار مخيم نهر البارد.
- ـ حماية مرافق اقتصادية وطنية حيوية.
- ـ حماية السفن الاجنبية التي تزور المرافئ اللبنانية.
- ـ اقامة تدريبات مع القوات المسلحة اللبنانية.
قائد القوات البحرية أكد أن كل الاعتماد على العنصر البشري وعلى كفاءة الجندي اللبناني في صناعة المستحيل
العميد بارودي لـ «الأنباء»: خطة تسليحية عشرية لمنع تحويل الساحل اللبناني لجسر عبور للإرهاب باتجاه الدول الخليجية والعربية
ملزمون بحماية الملاحة في المياه الإقليمية وبحماية الاستثمارات النفطية وغير النفطية في المياه الاقتصادية
نحتاج لأسطول من 9 سفن ومجموعة خافرات و مراكب دعم لوجيستي في عرض البحر لنحل مكان «اليونيفيل»
عدنان الراشد ـ داود رمال
أكد قائد البحرية اللبنانية العميد الركن نزيه بارودي في لقاء مع «الأنباء» ان الامكانيات العملانية للبحرية اللبنانية بدأت بخافرة ثم ثلاث اضافة الى «قناصة» جميعها مراكب خشبية، لكنها كانت تلبي احتياجات مراقبة السواحل، ولم تلبث ان غابت عن المياه الاقليمية بعد اندلاع احداث 1975، اما بعد تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك يوم 11 سبتمبر وانتشار موجة الارهاب العالمي، وخاصة في منطقة الشرق الاوسط، ما هدد بتحويل الساحل اللبناني الى جسر للارهاب باتجاه منطقة الشرق الاوسط، بعدما كان جسرا لتواصل الخير بين الغرب والشرق، ونقطة التقاء لثقافات العالم اجمع.
وعن حالة البحرية اللبنانية التسليحية الراهنة، من اين لها الطاقة على مواجهة تسلل الارهاب والتهريب وحماية المياه الاقتصادية اللبنانية، من عبث العدو الاسرائيلي، قال قائد البحرية اللبنانية، اننا وبانتظار توافر الامكانيات التسليحية المناسبة، التي تبذل القيادة العسكرية ومن خلفها القيادة السياسية، اقصى الجهد من اجلها، فاننا نعتمد حتى الآن على العنصر البشري، وعلى كفاءة الجندي اللبناني في صناعة المستحيل.
ويضيف: ان ضباطنا البحريين يتميزون بثقافة واسعة وبمستوى علمي متقدم، وقد خضعوا للتأهيل الاساسي في المدرسة البحرية الفرنسية.
ويجري في مدرسة القوات البحرية تدريب الرقباء والأفراد ويتم تدريب المجلين منهم ضمن دورات خاصة في الدول التي ذكرناها.
مهمات البحرية اللبنانية
وعن المهمات التي تقوم بها القوات البحرية في الجيش اللبناني في ظل الامكانيات التقنية المتواضعة والبشرية الممتازة، أكد بارودي ان المهمات متعددة وموزعة على الشكل التالي:
-
ـ حماية خطوط المواصلات البحرية الى المرافئ اللبنانية وتطبيق القانون وفرض سلطة الدولة في البحر وتنظيم حركة الملاحة التجارية وضبطها من خلال «غرفة العمليات البحرية المشتركة» التي أنشئت بقرار من مجلس الوزراء وأعيد إحياؤها بتاريخ 16/8/2008 ويرأسها قائد القوات البحرية وتتمثل فيها جميع الأجهزة الأمنية والوزارات المعنية بالشأن البحري.
-
ـ حماية الواجهة البحرية والمساهمة في تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان في البحر، لاسيما القرار 1701 بالتنسيق مع القوات البحرية التابعة لليونيفيل.
-
ـ مكافحة الإرهاب وقد قامت القوات البحرية بفرض الحصار البحري على مخيم نهر البارد في العام 2007.
-
ـ مكافحة الهجرة غير الشرعية والتهريب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال في البحر.
-
ـ تأمين الدعم البحري والإنذار المبكر لقوى الجيش اللبناني والمشاركة في العمليات العسكرية المشتركة (دعم ناري) دعم لوجستي، عمليات ابرار، عمليات انزال قوى على الشاطئ.
-
ـ مساعدة الأجهزة الأمنية في البحر (الجمارك، الأمن الداخلي والأمن العام..).
-
ـ انتشال ركاب الطائرة الإثيوبية وسفينة المواشي.
-
ـ مساعدة الوزارات والوكالات البحرية في مهماتها في البحر، لاسيما مكافحة الحرائق في البحر ومكافحة التلوث، وعمليات البحث والإنقاذ في البحر ومنها ما قامت به القوات البحرية خلال عامي 2009 و2010، ففي أواخر العام 2009 غرقت سفينة تجارية تدعى dannyf ii وكانت محملة بالماشية قبالة مدينة طرابلس، وقد قامت القوات البحرية بعمليات البحث والإنقاذ، كذلك في أوائل العام 2010 أثناء تحطم الطائرة الإثيوبية في البحر قبالة مطار رفيق الحريري الدولي ومساعدة الصيادين في البحر.
-
ـ حماية الثروات والمصالح الوطنية على الشاطئ.
التهديدات ومهربو المخدرات
وردا على سؤال حول التهديدات البحرية على طول الشاطئ اللبناني يقول قائد البحرية اللبنانية ان هذه التهديدات مصدرها العدو الإسرائيلي ومهربو المخدرات، حيث تعمل القوى الأمنية جاهدة لمكافحة هذه الآفة، كما تهتم البحرية اللبنانية بمكافحة الصيد غير الشرعي الذي يؤدي الى تدمير الثروة السمكية نتيجة استعمال المتفجرات والسموم في صيد السمك، ومشاكل التلوث البحري الناتج عن تدفق مياه الصرف الصحي مباشرة الى البحر دون ان تخضع للتكرير، اضافة الى عدم وجود مراقبة فعالة على رمي النفايات البترولية والكيميائية من قبل المعامل والسفن ومصافي النفط مباشرة في البحر، ما يلحق ضررا هائلا بالبيئة البحرية والسياحة ومراقبة السفن بالاستناد الى القوانين البحرية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية الصادرة عن المنظمة البحرية «imo» وعمليات البحث والانقاذ اذ ان اتجاه البلاد الى مزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي سيزيد من حركة السفن التجارية والسياحية الصغيرة والكبيرة باتجاه لبنان بحرا وجوا بواسطة الطائرات مما يزيد احتمال التدخل لتنفيذ اي عملية انقاذ لصالح طائرة او مركب سياحي يمكن ان ينقل ما بين 400 و 1000 سائح، اضافة الى امن المرافئ التجارية والسياحية المنتشرة على طول الشاطئ اللبناني فهي عرضة لعمليات غير شرعية او يمكن استغلالها للقيام بعمليات مشبوهة مما يؤكد ضرورة تعزيز قبضة الاجهزة المكلفة بضبط هذه المرافئ.
وفي رده على سؤال حول الاحتياجات المطلوبة للنهوض اللوجستي بمستوى العتاد في القوات البحرية قال: ان بحر لبنان هو النقطة الاضعف امام التهديد الاسرائيلي والارهابي ونحن نعمل ليل نهار وبكل امكاناتنا لمنع اي تهديد وكي لا يكون لبنان هدفا او ممرا لمثل هذه الاعمال باتجاه الدول العربية الشقيقة والخليجية منها بنوع خاص.
خطة عشرية
واشار بارودي الى خطة تمتد من خمس سنوات الى عشر سنوات، ففي السنوات الخمس الاولى نعمل على تجديد ما لدينا من معدات ومراكب على انواعها، وفي السنوات التالية نعمل على الاتيان بالجديد وقد بدأنا بالمرحلة الأولى من الخطة وقد افتتحنا مركزين بحريين في صيدا وطرابلس لمؤازرة مرفأي المدينتين خصوصا انه لا يوجد خفر سواحل انما القوات البحرية تقوم بكل هذه المهمات.
وعن الفارق بين المياه الإقليمية والمياه الاقتصادية قال بارودي إن المياه الاقليمية اللبنانية مداها 12 ميلا ومياهنا الاقتصادية من 50 الى 70 ميلا ونحن ملزمون بحماية الملاحة في المياه الاقليمية وفي حماية الاستثمارات النفطية وغير النفطية في المياه الاقتصادية.
الأسطول الموعود
ويحدد قائد البحرية اللبنانية احتياجاته العملانية وفق الخطة الموضوعة وهي تحقيق الاسطول البحري المؤلف من 9 قطع تتجاوز حجم الستين مترا، وقطع اخرى من 40 الى 60 مترا بالاضافة الى مجموعة من الخافرات حتى 30 مترا ومراكب دعم لوجستي وهي قطع بحرية تم تحديدها وفقا لحجم المهام المطلوبة لتأمين تواجد على مدار الساعة في عرض البحر ولتحل محل القوات البحرية الدولية التابعة لليونيفيل والتي سبق ان انطلقت بتنفيذ مهماتها بـ 19 قطعة وانخفض عديدها الى 9 قطع وما دون.
قاعدتان بحريتيان ومركز للصيانة
وتلحظ الخطة بناء قاعدتين بحريتين تستوعبان القطع البحرية المتوافرة حاليا والقطع التي ستحقق اعتبارا من العام 2011 الى العام 2016 وبناء مدرسة بحرية لاعداد وتأهيل الضباط والرقباء والافراد، وتعزيز احتياط قطع الغيار لتكوين احتياط لا يقل عن السنتين، مع امل رفع عديد القوة البحرية الى 3 آلاف عنصر حيث هو الان نصف هذا العدد والقيادة بدأت التحضير لذلك.
وضمن المخطط بناء مركز لصيانة هياكل السفن وهذا نسعى اليه وسيكون محققا في المدى المنظور وسيقام في طرابلس ويلحظ المخطط ايضا اقامة قاعدة في ضبية واخرى في البارد، وكل ذلك لتأمين الساحل اللبناني الممتد لـ 210 كلم وكلنا امل ان تحظى خطتنا بالاهتمام وان توضع موضع التنفيذ في اقرب وقت.
قائد البحرية اللبنانية عاد الى التاريخ فلطالما شكل الشاطئ اللبناني الطويل (210 كلم) المنطلق الأساسي الى موانئ المتوسط الأخرى، حيث كان اللبنانيون القدامى (الفينيقيون) أول المجازفين بركوب البحر، وصناعة السفن من خشب الأرز لحساب الدول المتوسطية.
الكويت تتكفل بتدريب 3 ضباط بحريين لبنانيين
كشف قائد سلاح البحرية العميد البارودي للمرة الأولى ان الكويت الشقيقة أخذت على عاتقها تدريب وإعداد 3 ضباط لبنانيين من القوات البحرية ولـ 6 أشهر، في بادرة أخوية مشكورة، والاتجاه لتعزيز التعاون والتنسيق في هذا المجال.
رسالة شكر
«الانباء» تتوجه بالشكر لقائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي، ومدير التوجيه، ولكل من ساهم بانجاح جولتها.