بيروت ـ عمر حبنجر
نجح مجلس الوزراء اللبناني في احتواء مضاعفات مذكرات التوقيف السورية ضد 33 شخصية لبنانية ودولية رفيعة، وذلك بالتناغم بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وتم تسجيل موقف سلبي من هذه المذكرات، من دون تعريض العلاقات السياسية مع سورية للاهتزاز، حيث أكد الحريري التزامه بالحكومة والمحكمة والحوار.
لكن ذلك لم يمنع ردود الفعل الواسعة حول المذكرات القضائية السورية، أبرزها من الحريري نفسه الذي اعتبرها رسالة سياسية بغلاف قضائي موجهة اليه، وانه لن يتخلى عن اي من فريق عمله، ولن يغير سلوكه انطلاقا من ثوابته.
وقد قرر مجلس الوزراء ان يتعامل معها كإجراء قضائي، وكلف وزير العدل إبراهيم نجار الاتصال بوزير العدل السوري والتباحث معه في موضوع هذه المذكرات على أساس الاتفاقية القضائية المعقودة بين البلدين عام 1951، والتي لا تلحظ مثل هكذا إجراءات.
بيد أن تطورا جديداً طرأ على القضية حيث قالت مصادر اعلامية ان القضاء العسكري السوري استدعى الضباط جميل السيد وريمون عازار ومصطفى حمدان وعلي الحاج للاستماع لأقوالهم كشهود حق عام في ملف محمد زهير الصديق وفارس خشان.
وأشار قاضي التحقيق العسكري الأول في دمشق المستشار عبد الرزاق الحمصي الى ان دعوة الضباط الاربعة صدرت لما يملكونه من معلومات تفصيلية دقيقة تفيد التحقيق.
التداعيات الخارجية
ويبدو ان مجلس الوزراء كان في جو التداعيات الخارجية للمذكرات السورية، التي أدرجت هذه المذكرات في خانة التصعيد في ملف المحكمة، ما أدى الى تحرك دول عربية أساسية معنية بالوضع اللبناني وداعمة للمحكمة الدولية، كمصر والسعودية، ودول غربية كفرنسا التي أعلنت ثباتها على دعم المحكمة الدولية ورفض أي عامل يعرقل عملها.
وكان هناك موقف للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبر عنه احد مساعديه، بالقول ان المحكمة ستواصل عملها بصرف النظر عن محاولات المعارضة اللبنانية حجب حصة لبنان من تمويلها.
بدوره مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الديبلوماسية فيلكس برادلي، علق على مذكرات التوقيف السورية بالقول: نستمر في الاعتقاد بان على سورية وبلدان اخرى احترام سيادة الدولة اللبنانية، وأضاف: هناك محكمة خاصة بلبنان تواصل القيام بعملها، ومن خلالها يكون الطريق الأفضل لإنهاء عقد الإفلات من العقاب المحيط بالاغتيالات السياسية.
من جانبة الرئيس حسني مبارك تشاور هاتفيا مع الرئيس سعد الحريري، وكان لبنان جزءا من محادثات طارئة بين وزير خارجية مصر أحمد أبوالغيط ونظيره السعودي الأمير سعود الفيصل في الرياض. وقال الناطق باسم الخارجية المصرية حسام زكي ان الوضع في لبنان دقيق، واشار الى توافق مصر والسعودية على التزام كل الأطراف باستقرار لبنان، وبدعم المحكمة الدولية.
وكان الرئيس مبارك تحدث عن سحب تنذر بعواقب وشرور تتجمع في سماء لبنان.
هيئة لبنانية
من جانبه، السفير السعودي علي عواض العسيري، قام بجولة مشاورات شملت سياسيين في الموالاة والمعارضة لاستمزاج مواقفهم في موضوع المحكمة والقرار الاتهامي، حيث عبر عن قلق المملكة الشديد على الوضع اللبناني، داعيا باسم القيادة السعودية الى صيانة السلم الأهلي وقطع دابر الفتنة، داعيا الى تشكيل هيئة لبنانية تعنى بإيجاد التصورات والسيناريوهات تحسبا لصدور القرار الاتهامي.
وضمن جولة عسيري كان لقاء الرئيس ميشال سليمان والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وطلال أرسلان، وتقول أوساط صحافية ان حركة السفير تأتي في إطار استطلاع الآراء السياسية لمعرفة موقف هذه القوى من المحكمة.
وعلمت «الأنباء» ان من زارهم السفير العسيري تبلغوا الاقتراح السعودي بتشكيل هيئة لبنانية لإيجاد التصورات، الى جانب أجواء اجتماع الأمير سعود الفيصل ونظيره المصري أحمد أبوالغيط.
وكان الرئيس سليمان استهل جلسة مجلس الوزراء بالقول: كنا نتمنى لو ان هذه المذكرات لم تصدر، وقد تكون مرتبطة بأمر آخر لا نعرفه، لكنها أثارت توترا لدى الناس، ونحن اخترنا العلاقات المميزة مع سورية، ونعتبر ان هذه العلاقات والاتفاقيات الموقعة بيننا أهم بكثير من هذه المذكرات.
وتحدث الرئيس سليمان عن زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد الى لبنان، متطرقا الى التحذيرات الإسرائيلية والتهديدات، واعتبر ان استقبال رؤساء الدول شأن سيادي، ليس لإسرائيل أو سواها حق الاعتراض عليه.
ولوحظ ان الرئيس الحريري تجنب شخصيا التعليق العلني والمباشر على خطوة القضاء السوري بحق مجموعة تشكل فريق عمله السياسي والاعلامي، الا انه اعطى اشارة اعتراضية بالغة الدلالة تجلت بإصراره على عرضها على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال وبحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي بادر الى توفير المخرج المناسب، بإحالتها الى وزير العدل كقضية شهود الزور، بينما جمد موضوع تمويل المحكمة الدولية الى حين الانتهاء من مناقشة كل بنود موازنة 2011. وخلال الجلسة شن وزراء 14 آذار حملة على مذكرات التوقيف السورية الغيابية وطالبوا مجلس الوزراء بإدانتها لكونها تشكل مسا بالسيادة اللبنانية وأعاد الوزير جان اوغاسبيان استنكار مرحلة الاغتيالات والسيناريوهات الدراماتيكية فرد عليه وزير الزراعة حسين الحاج حسن (حزب الله) بالقول: لا تكبروا الامور اكثر من حجمها.
وتناول وزير العمل المحامي بطرس حرب موضوع المذكرات من الناحية القانونية فاعتبر انها لم تصدر حسب الاصول وان التبليغ يتم حسب قوانين الدولة المعنية وليس الدولة التي ترسل الاتهام، مشيرا الى وجود حصانات للنواب المطلوبين ولقادة القوى الامنية.
في المقابل وزراء المعارضة اثاروا جماعيا موضوع شهود الزور ودعوا الى حسمه نهائيا، وقالوا انهم بانتظار تقرير وزير العدل منذ اغسطس فإذا كان انجزه وعليه توزيعه على الوزراء تمهيدا للبدء في مناقشته واتخاذ الموقف المناسب بشأنه.
وعلى هذا الاساس اوعز رئيس الجمهورية الى وزير العدل بتوزيع نسخ من تقريره على الوزراء تمهيدا لمناقشته بالتفصيل في جلسة لاحقة.
اطلالتان لنصر الله
في غضون ذلك يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تلفزيونيا في الثالثة والنصف من بعد ظهر السبت المقبل بمناسبة اختتام مؤسسة «جهاد البناء للتنمية» الايرانية غرس مليون شجرة للعام 2010 في لبنان.
ويفترض ان تكون هناك كلمة اخرى لنصرالله في 11 اكتوبر ايضا في مناسبة يوم الشهيد حيث يتناول الاحداث اللبنانية الساخنة والمتسارعة.