فاجأ الرئيس نبيه بري شريكيه في الحكم، الرئيس ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري، حتى انه فاجأ حلفاءه في المعارضة، عندما بادر الى شن هجوم سياسي منفرد في موضوع شهود الزور مرفقا بخطوات عملية لإضفاء جدية وحزم على موقفه وتمثلت في:
1 ـ الإيعاز الى وزرائه في اجتماع طارئ عقده معهم قبل جلسة مجلس الوزراء بالمطالبة بطرح ملف شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال، وبالانسحاب من الجلسة في حال لم يطرح.
2 ـ الطلب الى وزرائه إبلاغ رئيسي الجمهورية والحكومة انهم بصدد تعليق مشاركتهم في جلسة مجلس الوزراء المقبلة اذا لم تتضمن مناقشة ملف شهود الزور، وبما يعني عمليا ربط استمرار المشاركة في جلسات الحكومة ببت هذا الملف.
3 ـ البيان السياسي الذي أصدره مساء متوجا حركته السياسية الاعتراضية التحذيرية استهله بالإشارة الى قلق بالغ يعيشه لبنان والى فتنة تشرئب أعناقا لا عنقا واحدا، وأنهاه بالتحذير من استمرار التمادي في موضوع شهود الزور.
المصادر القريبة من بري ترد تحركه المباغت في موضوع شهود الزور والضاغط بقوة على الحكومة الى أسباب ودوافع مباشرة أبرزها:
ـ التأجيل والتأخير غير المبرر في طرح ملف شهود الزور على طاولة مجلس الوزراء بعدما جرى تكليف وزير العدل ابراهيم نجار منتصف أغسطس الماضي بوضع تقرير حول الآلية المناسبة لمتابعة هذا الملف، وبعدما أنهى نجار وضع تقريره بعد 10 أيام على تكليفه ورفعه الى رئيسي الجمهورية والحكومة.
ـ عدم تحرك القضاء اللبناني تلقائيا للتحقيق في موضوع شهود الزور، خصوصا بعدما قال رئيس الحكومة كلمته في الموضوع واعترف بوجود شهود زور ضللوا التحقيق.
ـ عدم مبادرة الرئيس سعد الحريري بعد إعلان موقفه (في صحيفة «الشرق الأوسط») الى خطوات عملية يكمل بها موقفه السياسي بالإيعاز الى السلطات القضائية والأمنية المختصة فتح ملف التحقيق مع شهود الزور وشركائهم.
ـ الأجواء التي أشيعت وعممت بشأن وجود اتفاق بين الرؤساء الـ 3 على تأجيل بحث الملفات الخلافية وبينها ملف شهود الزور الى ما بعد زيارة الرئيس الإيراني الى لبنان.
وإزاء كل ذلك، فإن رئيس المجلس بات متوجسا إزاء البطء غير المبرر في التعامل مع قضية شهود الزور وعدم الاتجاه الى حسم هذه القضية بوضع القضاء اللبناني يده عليها. وهذه السياسة تعكس تباطؤا وتمييعا ومناورة في ملف حساس وتساهم في تعقيد الأزمة وتدهور الأوضاع.
ما لا تقوله أوساطه تقوله أوساط سياسية اهتمت بانتفاضة بري وتقصي أسبابها وخلفياتها. وفي نظر هذه الأوساط ان 3 أسباب غير مباشرة وغير ظاهرة دفعت بري بصفاته الـ 3، كرئيس للمجلس وكرئيس لحركة «أمل» وأحد قادة المعارضة، الى التحرك وهي:
ـ تراكم ملاحظات ومآخذ لديه على أداء الحكومة وتوجهاتها وتدابيرها في الإدارات والمشاريع والتعيينات والإنفاق المالي، وبما يشكل امتدادا لسياسة وأداء حكومة السنيورة سابقا.
ـ التماهي مع موقف دمشق التي قررت فتح ملف شهود الزور وشرعت في خطوات عملية بهذا الاتجاه من ممارسة ضغوط على الحريري للتحرك في هذا الاتجاه، الى إصدار القضاء السوري مذكرات التوقيف بحق شخصيات لبنانية ذات صلة بهذا الملف.
ـ الانتظام تحت سقف المعارضة والانخراط في «معركة المحكمة الدولية» التي يقودها حزب الله بعدما كان بري مارس سياسة «انكفاء وصمت وتمايز» في الأشهر والأسابيع الأخيرة، فأقام تمييزا بين المحكمة الدولية والقرار الظني، ولم يشارك في أنشطة المعارضة ولاسيما في حفل استقبال المطار للواء جميل السيد. ولكن رغم هذا التمايز، كان حزب الله يظهر تفهما وتقديرا لمواقف الرئيس بري آخذا بالاعتبار انه يجب الا ينتظر منه التماهي مع الحزب في كل التفاصيل، وانما ينبغي ان تراعى خصوصياته وحساسياته كما حصل على سبيل المثال في موضوع اللواء جميل السيد. وتقول أوساط قريبة من حزب الله ان ما يقدره لدى رئيس المجلس انه لم يجعل هذه الحساسيات تؤثر على جوهر مقاربته للأمور، وان بري يعارض المحكمة الدولية على طريقته التي تتكامل في نهاية المطاف مع موقف الحزب.
أوساط حزب الله تبدي ارتياحا الى تماسك جبهة المعارضة في مواجهة تحديات شهود الزور والقرار الظني والمحكمة الدولية، ولا تتردد في القول ان المعارضة في أحسن حال اليوم. وأوساط 14 آذار تستعيد مشهد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة وشريط السنوات الماضية عندما شكل بري احدى أبرز المفاجآت السلبية والمخيبة لها، وكيف ان رهانها على تناقضات بين قيادات المعارضة أو على دور وهامش واسع للمناورة للرئيس بري لم يكن في محله.