حصلت «الأنباء» على قراءة سياسية تقييمية خاصة أجرتها قوى 14 آذار حول خلفيات وأهداف زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى لبنان يومي 13 و14 أكتوبر الجاري انطلاقا من حملة التحشيد الجماهيري التي تقودها وسائل إعلام حزب الله، اعدادا لاستقبال جماهيري غير مسبوق لرئيس الدولة الإيرانية، بدءا من محطته الأولى في مطار بيروت.
وتخلص هذه القراءة الى التأكيد على أهمية تعبير الفريق اللبناني الآخر عن اعتراضه على الزيارة وما قد يرافقها وما قد ينتج عنها، وفيما يلي نص القراءة:
ليست المرة الأولى التي يزور فيها لبنان رئيس دولة إقليمية كبرى له جمهور واسع من المؤيدين في لبنان والمنطقة.
ولكنها ربما تكون المرة الأولى التي يشعر فيها جزء كبير من اللبنانيين بأن هذه الزيارة ستدفع بهم نحو حافة الهاوية بدلا من ان تمد لهم يد المساعدة المشكورة.
ليس الرئيس أحمدي نجاد أكثر شعبية في لبنان والمنطقة مما كان عليه الرئيس جمال عبدالناصر عام 1958، ولا أقل طموحا إقليميا مما كان عليه الزعيم العربي الكبير! كذلك ليس وضع لبنان اليوم أقل حرجا مما كان عليه أواخر الخمسينيات، ولا انتماؤه العربي أقل مما كان عليه آنذاك.
مع ذلك، جاء «زعيم الأمة العربية بلا منازع» ليلتقي رئيس الدولة اللبنانية في خيمة شديدة التواضع عند الحدود اللبنانية – السورية، ولكنها كانت خيمة شديدة الإنصاف للبنان، تلك الزيارة أكدت الحرص العربي على تجربة لبنان الفذة في العيش المشترك.
نستطيع اليوم ان نتساءل: ماذا لو أصر عبدالناصر آنذاك على استقبال شعبي حاشد يمتد من المصنع حتى بيروت، وعلى التوقف طويلا في البسطة والطريق الجديدة، وعلى زيارة الحدود اللبنانية – الاسرائيلية؟
والمقارنة الموضوعية تدعونا أيضا الى القول: ليس الرئيس أحمدي نجاد أكثر شعبية واحتراما في إيران والعالم العربي من الرئيس محمد خاتمي. مع ذلك جاء الرئيس خاتمي الى لبنان عام 2003 ليعلن حرصه على النموذج اللبناني، لا بل واعجابه الشديد به، غير متحيز الى فئة دون أخرى، وداعيا الى حماية تجربته، لأنها تمثل – بما هي – إطارا لحوار الحضارات وبالتالي حاجة لمستقبل المنطقة والعالم.
يأتي أحمدي نجاد اليوم بعد ان مهد لزيارته بمواقف وعدت بتغيير وجه المنطقة انطلاقا من لبنان، وبانحيازه الفاضح لفئة من اللبنانيين ضد أخرى، وبتعامله مع هذا البلد وكأنه مجرد قاعدة إيرانية على شاطئ المتوسط. هذا بتعارض صدامي مع الإجماع العربي والإرادة الدولية، وفي ظل بحث اسرائيلي عن ذريعة للهروب الى الأمام.
وتأتي هذه الزيارة أيضا في ظل معطيات إيرانية داخلية مشوبة باستمرار العقوبات الدولية وتصاعدها، الأمر الذي أدى في الأيام القليلة الماضية الى انخفاض سعر العملة الايرانية بنسبة 13% (بحسب الإعلان الرسمي) وأكثر من 20% (بحسب تعاملات السوق)، كما أدى الى أزمة تموين ومحروقات ما رفع التذمر الشعبي الى مستويات عالية، خصوصا مع إعلان السلطات الإيرانية عزمها على رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية.
وعلى صعيد ايراني آخر، تصاعدت في الأيام القليلة الماضية أصوات المعارضة التي ركزت حملتها على «سياسات أحمدي نجاد» التي أضرت بالمصلحة الإيرانية العليا، ويمكن ان تؤدي الى نتائج كارثية، بما في ذلك احتمالات حرب تدميرية ضد ايران. هذا الى اتهامه بالخروج على «مبادئ الجمهورية»، فضلا عن اتهامه بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وفضلا عن استمرار الحصار الدولي، على خلفية الملف النووي الإيراني، يعاني الحكم الإيراني من عزلة على صعيد مفاوضات السلام الجارية، فهو يريد أن يكون «شريكا» في هذه العملية، انما على قاعدة الاعتراف الدولي بمصالحه الإقليمية في المنطقة العربية.
بيد ان تلك «الأوراق ـ الأدوات» نفسها أصيبت بدرجات متفاوتة من الوهن: هامشية دور حماس في هذا الوقت + حصار حزب الله بالقرار 1701 ومسألة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان + التراجع النسبي للتأثير الإيراني في العراق. ويضاف الى ذلك سقوط ورقة «الحوثيين» في اليمن، وإن كان سقوطا بالنقاط لا بالضربة القاضية.
وعلى الصعيد الإقليمي أيضا لم تنجح إيران حتى الآن في اختراق الموقف العربي الملتزم عملية السلام وفق مرجعياتها المعروفة، هذا بالرغم من «الحشرة» القوية التي يعاني منها الموقف العربي.
وختمت «14 آذار» قراءتها مؤكدة أنه وبالرغم من كل ما تقدم، «فإننا نميل الى الاعتقاد ان القيادة الإيرانية ستحاول التخفيف، الى أقصى حد ممكن، من السلوك الاستفزازي أثناء الزيارة، لأنها غير مطلقة اليد في المناورة».