الوقت المناسب: يری محللون ايرانيون ان الزيارة تتزامن مع فشل استراتيجية الولايات المتحدة إزاء الشرق الاوسط، وبدء انسحاب القوات الاميركية من المنطقة.
وثمة اعتقاد بأن القيادة في طهران تسعی الی فرض ايران بوصفها رقما صعبا في المنطقة، من خلال تعزيز دورها الاقليمي، بعد رفض الدول الكبری مناقشة رزمة الاقتراحات التي قدمتها للدول الست المعنية بملفها النووي، والتي أرادت ايران من خلالها المساهمة في أي ترتيبات أمنية واقتصادية وسياسية وعسكرية تفرض علی المنطقة، إذ ترى ايران ان ثمة فراغا امنيا وسياسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ما يستدعي مشاركة دول الاقليم في النظام الجديد للشرق الاوسط، بوصفه بديلا عن النظام السائد خلال الحرب الباردة.
وتعتقد طهران ان نظام الحرب الباردة أخذ في الاعتبار «العامل الاسرائيلي»، علی حساب مصالح دول المنطقة، في وقت علی النظام الجديد إعطاء مساحة واسعة لدول الاقليم لأداء دور مؤثر في مستقبل المنطقة. ويری محللون ايرانيون ان محور تركيا وإيران ولبنان وسورية يستطيع تعزيز تيار المقاومة في المنطقة، وفرض واقع جديد، علی رغم الاستراتيجية التركية القريبة من الولايات المتحدة، إلا ان الحكومة التركية تسعی الى الاقتراب من تيار المقاومة في المنطقة.
وتستبعد طهران نجاح ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في مساعيها لتسوية قضية الشرق الاوسط، بآليات الحرب الباردة، اذ عليها درس الظروف الجديدة، من خلال اعطاء دور أساسي لدول الاقليم، ومن بينها ايران.
ويرى الدكتور كيهان برزكر المسؤول في «مركز دراسات الشرق الاوسط» ومقره طهران، ان «الزيارة تأتي في الوقت المناسب، ودرست القيادة الايرانية أبعادها بشكل جيد».
حصيلة نجاح الجهد: يرى محلل سياسي «خليجي» ان زيارة أحمدي نجاد تشكل تتويجا وحصيلة للتطورات اللبنانية منذ 1982 ووصول حزب الله، الى موقع متقدم في البنية السياسية اللبنانية ومقرر فيها، على نحو شبه حصري.
وبغض النظر عن الظروف الاقليمية التي أتاحت الوصول الى هذه النتيجة، خصوصا الدور السوري وتطابقه الاستراتيجي مع ايران وتحوله بوابة وفرت كل مستلزمات القوة لحزب الله، فإن الواقع اللبناني الحالي بات مختلا على نحو كبير، وعلى نحو فقدت معه كل مؤسسات الدولة وظائفها لمصلحة الموقف السياسي لحزب الله، وتاليا ايران.
وظهر هذا الاختلال في كل منعطفات الازمة اللبنانية، منذ 2005، مع اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي كان موقفه متطابقا ليس فقط مع الموقف الدولي، وإنما ايضا مع الموقف العربي والنظرة العربية العامة الى لبنان، بما هو بلد ينبغي احترام تعدديته السياسية والطائفية في ظل توازن ترعاه المؤسسات. الاختلال أصاب هذه المعاني المرتبطة بوجود لبنان الحديث، الوطن النهائي لجميع أبنائه، بحسب اتفاق الطائف. اذ لم يعد للمؤسسات أي دور ولم يعد التعدد ذات قيمة. والقرار بات في يدي الاقوى على الارض. وكل الجدل الحالي في لبنان، بغض النظر عن الملف الذي يتناوله، هو جدل بين محاولة للاحتكام الى المؤسسات وسعي الى تأكيد أولوية القوة أو التهديد بها... وصولا الى تثبيت الاختلال الداخلي، بما هو تغيير لصورة البلد. وهذا ما جاء أحمدي نجاد لمشاهدته بأم العين. لقد جاء ليطلع على حصيلة التغيير في لبنان، والذي أحدثه حزب الله منذ 1982.
زيارة احمدي نجاد للبنان هي حصيلة نجاح هذا الجهد، على عكس زيارة الرئيس السابق محمد خاتمي التي تطابقت أهدافها مع النظرة العربية الى الكيان والدولة في لبنان.
وأد الفتنة: يرى محلل سياسي «شيعي» في بيروت انه يمكن القول إن موقف طهران الرسمي من المحكمة الدولية أنها شأن لبناني داخلي، غير أن ذلك لا ينفي وجود رؤية إيرانية تربط هذه المسألة بمجمل الملفات العالقة بين طهران وواشنطن انطلاقا من محاولة هذه الأخيرة توظيف القرار الظني المرتقب في إطار تفاهم شامل بين الجانبين أو مواجهة شاملة بينهما، خاصة أن اتهام حزب الله أو بعض عناصره «غير المنضبطة» سيعاد فبركته بشكل أو بآخر ليرتد على طهران باعتبارها «الوصي» على حزب الله من دون إغفال إمكان «طرطشة» سورية على الخلفية نفسها.
وفي هذا الخضم لا يستبعد بعض المراقبين الايرانيين ان تتخذ واشنطن من ملف المحكمة ورقة لمساومة طهران على ملفها النووي بعدما استنفدت الادارة الاميركية شتى الوسائل المتاحة لديها لمنع ايران من بلوغ غاياتها النووية وهي تراهن في ذلك على إرباك ايراني في المفاضلة بين حليفها المدلل وملفها الأول.
كما ان ايران ترى في موضوع المحكمة الدولية مشروع فتنة مذهبية قد يبدأ في لبنان متجاوزا حدوده الى أبعد من ذلك، وهي مسألة فائقة الحساسية في الاعتبارات الايرانية الدينية والسياسية، الأمر الذي دفع طهران الى مضاعفة جهودها للالتفاف على هذا المشروع، وفي هذا الإطار تأتي فتوى قائد الثورة الاسلامية التي حرم فيها الإساءة الى عائشة وزوجات الرسول.
وهنا، يبدو أن إيران تراهن على جهود إقليمية تضمها الى سورية ولبنان وتركيا لوأد مشروع الفتنة وأخرى محلية لبنانية تنطلق من أن الفتنة ليست في مصلحة أي من المسلمين.