بيروت ـ محمد حرفوش
يعود الحضور الايراني في لبنان الى العام 1912، حيث تم في هذا العام افتتاح اول قنصلية ايرانية في لبنان الى حين اعترفت ايران عام 1944 باستقلال لبنان وسورية، فارتقى مستوى تمثيلها في بيروت الى سفارة بدءا من العام 1955 خلال عهد الرئيس اللبناني الاسبق كميل شمعون الذي شهد توطيدا للعلاقات بين البلدين، فاضافة الى حصول التبادل الديبلوماسي الكثيف بين طهران وبيروت جرى تعاون اقتصادي وثقافي الى جانب التعاون السياسي وحتى المخابراتي، اذ كان للمخابرات الايرانية (السافاك) وجود في لبنان بغية التنسيق مع السلطات اللبنانية للحد من المد الناصري ومطاردة المعارضين للشاه محمد رضا بهلوي.
وثمة مفارقات طبعت مرحلة 1952 ـ 1958، ابرزها ان بوابة الدخول الايراني السياسي الى لبنان كانت عن طريق قيادات من المسيحيين الموارنة، كما ان ادخال لبنان في المحاور الاقليمية جاء من خلال سعي الرئيس شمعون الى الدخول في حلف بغداد، في حين ان الشيعة اللبنانيين ما كانوا ايرانيي الهوى آنذاك، ولو كان احد ابرز زعمائهم في تلك المرحلة احمد الاسعد على خصام مع الرئيس شمعون. بالاضافة الى ذلك، فإن حكم الشاه كان يقوم على ايديولوجيا قومية متطرفة متناقضة مع القضايا العربية التي ذهب الشيعة اللبنانيون للدفاع عنها من خلال التماهي اولا مع الرئيس عبدالناصر وتاليا مع العمل الفدائي الفلسطيني، واخيرا مع سورية وايران بعد سقوط الشاه.
وبعد ثورة 1958 ومجيء الرئيس فؤاد شهاب الى الحكم، اصيبت العلاقات اللبنانية ـ الايرانية بحالة من الركود، لأن شهاب كان حريصا على سياسة متوازنة مع العرب وسياسة تطبيع عادية مع باقي بلدان الشرق الاوسط. وبالتوازي مع الانحسار الامني والسياسي الايراني الذي بدأ مع الرئيس شهاب 1958 ـ 1964، فإن الشيعة قابلوا ذلك بلا مبالاة لكونهم خارج أطره، في حين ان علاقة الرئيس شمعون وحلفائه السياسيين استمرت على وثاقتها حتى العام 1979 تاريخ سقوط الشاه ونظامه.
بعد سقوط الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية الايرانية في 11 فبراير 1979، برز التحول الجذري في السياسة الايرانية الداخلية والخارجية، وهو ما افضى الى تغير الاصدقاء والحلفاء في لبنان، فبعدما كان شمعون وحلفائه من ضمن المدعومين ايرانيا مالا وسياسة وسلاحا، غدا حزب الله ومقاومته وحلفاؤه من ضمن المشهد اللبناني ـ الايراني ـ الاقليمي الجديد.
شكل العام 1982 - حيث اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلت عاصمته بيروت - منعطفا اساسيا في مسار «التوغل الايراني» للبنية الداخلية اللبنانية، حيث لعب الامام الخميني دورا مركزيا في تأسيس حزب الله واتخذت ايران من الاجتياح الاسرائيلي ذريعة لارسال مجموعات من الحرس الثوري الايراني الى منطقة البقاع، وقد تسبب ذلك بقطع العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وايران عام 1983 عندما طلبت الحكومة اللبنانية رسميا من ايران سحب قواتها الموجودة في لبنان، متهمة اياها بالتدخل في شؤونه الداخلية، وكانت هذه هي المرة الثانية والاخيرة التي يتم فيها قطع العلاقات التي مرت بأكثر من ازمة ابرزها منذ الاستقلال ازمة 1969، حيث قطعت العلاقات على خلفية قضية اغتيال الجنرال بختيار، ولم تستأنف بصورة كاملة الا مع زيارة رئيس وزراء لبنان الاسبق تقي الدين الصلح في يونيو عام 1974 الى طهران.
وفي العام 2003 جاء الى بيروت الرئيس الايراني محمد خاتمي، وهو اول رئيس ايراني يزور لبنان منذ انتصار الثورة الايرانية عام 1979، مع الاشارة الى ان شاه ايران محمد رضا بهلوي والامبراطورة ثريا كانا زارا لبنان عام 1956 لتأسيس منبر اللغة الفارسية في الجامعة اللبنانية.
وامس حل الرئيس محمود احمدي نجاد ضيفا استثنائيا على لبنان في لحظة استثنائية وذلك بعد سبع سنوات من زيارة خاتمي.