بعد «هدنة رمضان» الطويلة تأتي «هدنة نجاد» القصيرة، وبين الهدنتين لم تسجل أزمة المحكمة الدولية أي حلحلة تذكر، كما لم تسجل الاتصالات الداخلية والخارجية الدائرة في شأن ايجاد حل لها أدنى اختراق، القلق الدولي والعربي يتنامى في ظل حركة رصد سياسية واستخباراتية غير مسبوقة لتطورات الوضع اللبناني واحتمالاته، الأزمة تسلك مسارا تصاعديا والهوة تتسع بين حزب الله وتيار المستقبل أو فريقي 8 و14 آذار بعدما ردت الأزمة الاعتبار الى هذا الفرز المستحدث بعد العام 2005 وأعادت ترسيخ هذين المعسكرين المتقابلين: حزب الله وحلفاؤه، وتيار المستقبل وحلفاؤه.
ان «جردة سياسية سريعة» لمواقف الطرفين تكفي للدلالة على عمق الأزمة وعلى ضآلة وحتى «انعدام» المساحة والنقاط المشتركة التي يمكن البناء عليها لإيجاد مخرج وبداية حلول:
- حزب الله يعلن حربا مفتوحة على المحكمة ويقول عنها انها محكمة أميركية - اسرائيلية تريد رأس المقاومة، والرئيس سعد الحريري يكرر انه لا مساومة على المحكمة لأنها الطريق الى الحقيقة والعدالة والى منع اغتيالات جديدة.
- حزب الله يطلب موقفا سياسيا صريحا من الحريري «في اتجاه رفض أي قرار ظني يتهم حزب الله» واجراءات عملية «في اتجاه نزع غطاء الشرعية اللبنانية عن المحكمة» قبل صدور القرار الظني، حزب الله ينتظر موقف الحريري ليبني على الشيء مقتضاه، والحريري لا يرى ممكنا ولا واقعيا اعلان أي موقف أو اتخاذ أي اجراء قبل صدور القرار الظني، الحريري ينتظر صدور القرار ليبني على الشيء مقتضاه.
- حزب الله قرر المضي في معركة شهود الزور حتى النهاية وقبل الوصول الى «القرار الظني» ملاحقة ومحاكمة لهم ولمن يقف وراءهم، وكتلة المستقبل تعلن انه لا امكانية لفتح ملف ما يسمى شهود الزور قبل صدور القرار الظني الذي يعود له وحده تحديد اذا كان من شهود زور.
- فريق المعارضة يطالب بإحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي، وفريق الأكثرية يتسلح بتقرير وزير العدل الذي يعتبر ان هذه القضية لا تقع في نطاق وصلاحيات المجلس العدلي، وان هذه الإحالة سيكون بمثابة «مقبرة» للمحكمة ولأي قرار ظني يصدر عنها.
- حزب الله يعتبر ان الكرة في ملعب الرئيس سعد الحريري شخصيا، وانه يمتلك الموقع الشخصي والسياسي والرسمي الذي يجعله قادرا على اتخاذ المبادرة وقرارات صعبة وشجاعة، وفريق الحريري يعتبر انه قدم أقصى ما لديه وما يمكنه ولم تقابل ايجابيته بالمثل، وما يعرض عليه ليس تسوية وانما انتحار سياسي، الحريري يعجب كيف اشتدت الحملة عليه بعد موقفه الايجابي والمتقدم (الى الشرق الأوسط)، وكيف ان كلام نائب كتلته عقاب صقر عن رفض أي قرار اتهامي مسيس ويراد منه الالتفاف على عنق المقاومة قوبل ببرودة وتجاهل ولامبالاة من حزب الله.
- المعارضة تقول انها لا يمكن ان تنتظر أكثر، وانها مضطرة للتحرك الوشيك وقبل بدء المهلة المفترضة لصدور القرار الظني في الفترة الواقعة بين 15 نوفمبر و15 ديسمبر، وتقول أيضا ان الحريري يمارس سياسة انتظار وكسب وقت وصولا الى هذا القرار الذي يخلق واقعا جديدا، والاكثرية تقول انها لا يمكن ان تنتظر حتى يبدأ حزب الله تنفيذ «انقلابه»، كما لا يمكن الاستمرار في سياسة يمكن ان تفسر ضعفا وتنازلا وتشجع الفريق الآخر على طلب المزيد، وانها مضطرة لبدء تحرك مضاد ورفع السقف السياسي واستعادة المبادرة، والى اتخاذ ما يتناسب مع طبيعة المرحلة ومخاطرها السياسية والأمنية من مواقف واجراءات.
- المعارضة تقول ان الخيارات باتت محدودة وهامش المناورة بات ضيقا، والخيار هو بين «المحكمة والحكومة»، بين «العدالة والاستقرار»، بين «القرار الظني والفتنة»، وفريق الأكثرية يدرج هذا الكلام في خانة «الضغط والتهويل والحرب النفسية»، ولديه حسابات تقول ان حزب الله لا مصلحة له في 7 أيار جديد ولا قدرة له على استثماره في حال كانت له القدرة على القيام به، وانه لابديل عن الحريري في رئاسة الحكومة، وهناك صعوبة في تشكيل حكومة جديدة اذا لم تكن هناك صعوبة في اسقاط الحكومة الحالية، والوضع سيكون بين حدين: حكومة تصريف أعمال لأمد طويل أو حكومة أمر واقع وأزمة.
ما جرى في مجلس الوزراء أمس، في «جلسة شهود الزور»، يؤكد وجود الأزمة وتفاقمها، في هذه الجلسة جهد الرئيس ميشال سليمان مؤيدا وجهة نظر النائب وليد جنبلاط في عدم الوصول الى التصويت والبقاء تحت «سقف التوافق».
ومع تراجع أو انعدام فرص التوافق داخل مجلس الوزراء الذي اندلعت المشكلة على طاولته وتأجل انفجارها الى 20 الجاري، وفي ظل عدم توافر أرضية سياسية مشتركة للقاء الضرورة بين نصرالله والحريري، وتوقف خطوط العلاقة والتواصل بين الحريري ودمشق، فإن حدوث اختراق في الأزمة بات يتطلب جهودا ومعالجات من نوع آخر بعدما خرجت الأزمة من ايدي اللبنانيين، فهل تحمل زيارة نجاد مفاجأة الاختراق الأول؟ وهل يحمل الرئيس الايراني مبادرات وأفكارا للحل ولجم التدهور؟ وهل اتصاله مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز عشية قدومه الى لبنان يصب في هذا الاطار؟ وهل الاتصال الايراني - السعودي يتناغم مع الاتصال السوري - التركي (لقاء الاسد أوردوغان في دمشق)؟