بعدما طغت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على المشهد اللبناني طيلة الأسبوع الجاري، فإن زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان الخاطفة الى بيروت وبعد قليل على مغادرة نجاد حظيت باهتمام وتعليقات الأوساط اللبنانية كافة، وهذا ملخص قراءات وتحليلات حول خلفيات ورسائل هذه الزيارة:
1- قراءة المعارضة ركزت على النقاط التالية:
- الزيارة أشبه بعملية انزال سياسي خلف الخطوط السعودية ـ السورية لقطع الطريق أمام الجهد المبذول لمعالجة الأزمة السياسية الراهنة في لبنان.
- فيلتمان أوحى بأن معادلة «س ـ س» ربما تفيد في اجراء أعمال الصيانة للوضع اللبناني في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن موعد القرار الظني ولكنها لا تملك مفتاح مصير المحكمة.
- واشنطن تسعى الى الاستفادة قدر الامكان من رافعة المحكمة والتي ربما باتت تشكل آخر أوراقها الفاعلة لبنانيا وربما اقليميا، من أجل اعادة استنهاض حضورها المتآكل ومصالحها المهددة في المنطقة. والزيارة هي لتغطية التراجع الأميركي على مستوى المنطقة كلها، لكن على طريقة رجل «الكاوبوي» الذي لا يخشى النزال مع خصومه حتى ولو كان يدرك انه خاسر.
- الوهن الأميركي قد يعني مزيدا من ترك لبنان للفوضى اذا تقرر الانكفاء من ساحته، والفوضى تعني في لبنان الفتنة الطائفية والمذهبية، ومدخل الفوضى الاميركية وعنوانها في هذه المرحلة هو المحكمة الدولية المسيسة، لذلك كان الاصرار في «رسالة فيلتمان» على التمسك بالمحكمة وحمايتها ومنع السعي الى ابطال مفاعيلها كسيف مصلت فوق رقاب المقاومة.
- زيارة فيلتمان وآلامه عن المحكمة فيهما ما يشبه الانذار الى لبنان بعدم التصويت على ما يعطل المحكمة. وقد حذر فيلتمان جنبلاط من الموافقة على تحويل ملف شهود الزور الى المجلس العدلي لأن ذلك يسقط القرار الاتهامي المتوقع صدوره قريبا. ولكن جنبلاط رد بالقول «شوفوا الرئيس سليمان»، كما ان فيلتمان ذكر جنبلاط بأن موقعه في 14 آذار، متسائلا عن سبب الاخلال بالتوازنات السياسية، «فأنت أول من عمل للمحكمة وساهم في انشائها، والولايات المتحدة الى جانبكم، ولن تساوم عليها».
- أراد فيلتمان التحريض على رفض الوصول الى تسويات بما يتعلق بالقرار الظني وملف شهود الزور، وان كان الأميركي غير مستعجل لاصدار القرار الاتهامي عن المحكمة لأن ما يهمه قبل أي شيء آخر هو الاستمرار في استخدام الورقة اللبنانية بدءا من ورقة المحكمة للحصول على تنازلات في ملفي العراق وفلسطين.
- أراد تنشيط دور حلفائه في لبنان والقول ان من يعتقد ان الدور الاميركي في لبنان قد سقط هو خاطئ، وليس صحيحا ان الورقة اللبنانية لم تعد موجودة، فالدور الأميركي في لبنان مازال موجودا وبالتالي لا تنازلات في المحكمة.
2- قراءة «14 آذار» تمحورت حول النقاط التالية:
- فيلتمان حمل رسالة الى الدولة اللبنانية فيها مسلّمتان، الاولى تقول ان المحكمة الدولية خارج أي تأثير ولا يمكن اقامة مبادرات أو صفقات عربية أو دولية عليها. والثانية ان الاستقرار في لبنان خط أحمر، وهذا الاستقرار جزء من استقرار المنطقة ككل ويستند الى اتفاق الطائف والمبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية.
- الزيارة جاءت لتؤكد بعد زيارة الرئيس الايراني ان لبنان ليس ساحة بل لديه مظلات عربية وغربية، كما تؤكد حجم التوازنات الاقليمية في المنطقة وتوجه رسالة في أكثر من اتجاه، كأنها تقول ان لبنان ليس ملعبا لفريق واحد بل محكوم بالتقاء مصالح وتقاطع مصالح دول كبرى.
- لهذه الزيارة أهمية ورسالة معينة نظرا للشكل الذي أتت به وخصوصا انها فجائية وتمت بناء على إيعاز مباشر من البيت الأبيض لنقل رسالة من الرئيس أوباما كان يمكن ان تنقل عبر السفيرة الأميركية في بيروت ولكن وقعها سيكون أشد وأقوى مع فيلتمان.
3- قراءة أوساط مراقبة ومحايدة:
- توقيت زيارة فيلتمان وترتيب لقائه على عجل مع سليمان وجنبلاط يعززان الاعتقاد بأن الادارة الأميركية رغبت بعد زيارة نجاد في ان تؤكد حضورها على الساحة اللبنانية، مع العلم ان المسؤول الأميركي لم يجتمع هذه المرة مع «الحلفاء» اللبنانيين.
- قد يكون فيلتمان كرر محاولة الضغط على جنبلاط من أجل فرملة مواقفه الذاهبة بالاتجاه المعاكس لفريق 14 آذار، أو ربما أراد ان ينقل رسالة أخرى غير تلك الرسالة الرسمية التي نقلها من الرئيس أوباما الى الرئيس سليمان، والتي يقال انها تتعلق بالمحكمة ومسارها.
- تصريح فيلتمان عن المحكمة لم يحمل أي جديد على الموقف الأميركي «التقليدي» في هذا المجال، لكن ما قاله يحمل تفسيرين على الأقل: الأول يتمثل في محاولة الادارة الأميركية استخدام المحكمة كورقة سياسية تفاوض عليها حول الملف اللبناني، بل أيضا أبعد من الملف اللبناني، والثاني الاختباء وراء عباءة المحكمة او القرار الدولي لتشكيل المحكمة من أجل اعفاء نفسها من النتائج في المستقبل سواء أكانت هذه النتائج سلبية أم ايجابية من وجهة النظر الأميركية.
- الزيارة تندرج في اطار الصراع الأميركي ـ الايراني الذي انتقل بشكل صارخ الى الساحة الداخلية اللبنانية.