يربط خيط واضح يعري الخلل الوظيفي السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين سلسلة من الأفلام اللبنانية التي انتزعت الإعجاب في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي هذا الأسبوع ويسلط الضوء على المجتمع اللبناني الذي يمزقه التوتر الطائفي.
ويشهد الشارع السياسي اللبناني انقساما حادا منذ الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وانتهت في عام 1990 بينما تفاقمت الطائفية بسبب الدعم الأجنبي لجماعة وأحزاب وتكتلات.
وسلط الاستقبال الحافل الذي منحه بعض اللبنانيين للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدى زيارته لبيروت وغضب البعض الآخر من الزيارة الضوء على مدى عمق الانقسام في لبنان.
وفي فيلم ماهر أبي سمرة «شيوعيين كنا» الحاصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في مهرجان أبوظبي السينمائي الذي انتهى يوم السبت، يناقش ناشطون سابقون كيف حددت الطائفية الشديدة معالم ما بعد الحرب الأهلية على الرغم من الآمال التي كانت تحدوهم في مجتمع جديد عندما حاربوا الغزو الاسرائيلي خلال الحرب.
ويقول ماهر العائد من فرنسا في فيلمه إن المقاومة الوطنية لم يعد لها وجود، وان ما يعرفه لبنان حاليا هو المقاومة الطائفية.
وفي فيلم بهيج حجيج «شتي يا دني» الذي حصل على جائزة أفضل فيلم روائي يخرج رجل خطف خلال الحرب الأهلية من محبسه بعد 20 عاما.
ويلاقي رامز صعوبة في الالتئام مرة أخرى بعائلته ويجد السلوى مع زوجة شخص آخر مفقود ولا يعرف مصيره، وتعرف الزوجة مصير زوجها الغائب عندما يعترف رامز بأنه تشارك الزنزانة نفسها معه قبل أن يموت.
أما فيلم محمد سويد التسجيلي «بحبك يا وحش» فيعرض حكاية ست شخصيات عادية تسكن هامش المجتمع واقتصاده غير الرسمي، متحديا الأفكار الثابتة حول لبنان كعاصمة للسحر الأخاذ في العالم العربي.
ويسترجع لاجئ فلسطيني في صيدا ذكريات إزالة النساء للشعر الزائد عن سيقانهن، بينما يحكي بائع فلافل عن الأوقات الصعبة التي يقضيها في الشارع، ويشرح رجل يلتقط صور النساء الأجانب هوسه بجمع قصاصات الصحف بينما يلجأ فراش سوداني إلى مصاحبة أصدقاء أفارقة ليتفادى العنصرية. ولا يرى سويد غضاضة في تصوير العالم الكئيب المتدني في مدن كصيدا وبيروت.
ووصف سويد الدولة اللبنانية بالفاشلة وقال للجمهور ان معاناة الفلسطينيين هناك لم تعد تنفصل عن معاناة اللبنانيين، حيث يتركز النشاط الاقتصادي حول بيع الفلافل.
وقال سويد ان اللبنانيين لا يعتمدون على الدولة، فالسعودية تدفع حتى ثمن الكتب المدرسية، وسخر من الدولة قائلا إنها موجودة ليشكو الناس منها.
ولم تظهر مدينة طرابلس بشمال لبنان بحال أفضل في فيلم «طيب، خلص، يللا» للمخرجين اللبنانيين رانيا عطية ودانييل جارسيا، والذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي لمخرج عربي جديد.
ويحكي الفيلم الذي صور بالاستعانة بممثلين غير محترفين وعلى طريقة الأفلام التسجيلية حكاية رجل عاش في البيت مع أمه حتى تجاوز الثلاثين لكنه يجد نفسه وحيدا عندما تنتقل، وتفشل طرابلس في ملء فراغه.
ويكتسب الفيلم الكوميدي الطابع صبغة سوداوية عندما يذهب الرجل إلى مكتب تخديم لاستئجار خادمة آسيوية، ويخبره الوكيل ان الراتب سيختلف بحسب جنسية الخادمة، مشيرا الى ان الفلبينية الجميلة ستتكلف أكثر مشيرا إلى خدمات جنسية قد تقدمها.
ويستأجر الرجل خادمة اثيوبية يعاملها بشكل طيب لكنها ترفض الحديث معه خوفا من الإساءة والاستغلال، وفي النهاية تهرب الخادمة في علامة أخرى على الذكورة العاجزة للشخصية.
ويواصل بعض المشاهدين الضحك لكن حركة الكاميرا التي تركز على الأبواب المغلقة والشرفات ذات القضبان تكشف شيئا فشيئا عن مأساة الظروف الاقتصادية للعمال، وفي النهاية تقدم الخادمة إفادة عن الإساءة التي تعانيها الخادمات.