بعد انقطاع دام أسابيع، استأنف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله إطلالاته أو «حملته» الاعلامية المركزة على المحكمة الدولية وقرارها الظني، ومن الواضح أن إطلالة نصرالله الاعلامية امس لم تكن مقررة ومبرمجة سابقا، وإنما فرضتها وعجلت فيها مجموعة تطورات تشكل «مادة اعلامية ودعائية دسمة» وتصب في خدمة حملة حزب الله ضد المحكمة وقرارها الاتهامي المعد ضد عناصر من حزب الله، ومن هذه التطورات:
ـ الاعتراف الإسرائيلي بصحة الرواية والصور الجوية التي عرضها السيد نصرالله في إحدى مؤتمراته الصحافية بشأن عملية انصارية، وفي سياق «قرائن» أوردها لتثبيت فرضية اتهام إسرائيل باغتيال الرئيس رفيق الحريري، تلك الفرضية التي لم ترد في كل مراحل التحقيق الدولي.
ـ قرار الاتحاد الدولي للاتصالات بإدانة استباحة إسرائيل قطاع الاتصالات في لبنان وبث الفتنة على الشبكات الثابتة والخليوية. ومع ان هذا القرار يضع في يد لبنان وثيقة دولية دامغة تؤكد ان قطاع الاتصالات تتحكم به اسرائيل.
أما حزب الله فإنه ينظر اليه على انه دليل على وجود قرصنة اسرائيلية على قطاع الاتصالات ويعتبره أكبر ضربة يتلقاها التحقيق الدولي وقرار بلمار.
ورغم أهمية هذين التطورين، فإن التطور الذي كان السبب المباشر في قطع نصرالله لإجازته الاعلامية هو الإشكال الأول من نوعه الذي يحدث مع محققين دوليين في منطقة تقع عند تخوم الضاحية الجنوبية وفي نطاقها عندما أراد محققان دوليان الحصول على معلومات من طبيبة مشرفة على عيادة نسائية وتصدت لهما نسوة وحصل هرج ومرج ما اضطرهما الى مغادرة المكان بعدما انتزعت منهم حقيبة وهواتف، ولأنه يكتسب أبعادا خاصة ومهمة ومرشح لأن تكون له تداعيات سياسية، لم يتأخر حزب الله في تناول هذا الحادث الذي وصف على نطاق واسع في لبنان والأمم المتحدة على انه «اعتداء» على المحققين الدوليين.
ويتخذ حزب الله من واقعة التحقيق الدولي في عيادة «نسائية» نموذجا لتسليط الضوء على انحراف التحقيق عن مساره وسياقه واقتحامه خصوصيات و«حرمات»، ولتأكيد صوابية موقف الحزب وقراره في الطعن فيصدقية التحقيق الدولي وعدم التعاون معه، أما خصوم حزب الله في لبنان وتحديدا قوى 14 آذار، فإنهم ينظرون بعين الخطورة الى ما حدث بوصفه:
ـ اعتداء على الشرعية الدولية والقرار 1757 الذي أنشأ المحكمة الدولية موازيا في خطورته ودلالاته (كما في أسلوبه عبر الأهالي) للاعتداءات والاستفزازات التي استهدفت اليونيفيل والقرار 1701 في وقت سابق من هذا العام.
ـ أول عمل ميداني يقوم به حزب الله ضد المحكمة الدولية معلنا بداية تمرد عملي على المحكمة.
ـ أول «اصطدام على الأرض» بين حزب الله والمحكمة الدولية يوجه رسالة لمن يهمه ويعنيه الأمر بان مرحلة عدم الاعتراف بالمحكمة الدولية دخلت حيز التنفيذ.
وبهذا تكون«الضاحية الجنوبية» لقنت «التحقيق الدولي» درسا، وقدمت نموذجا لما سيكون عليه التعاطي في حالات مماثلة.
والسؤال الآن: أي تداعيات «دولية» لهذه الحادثة، هل ستؤثر على صورة لبنان والتزاماته الدولية؟ وهل ستؤثر على عمل المحكمة الدولية؟ وهل تكون «شرارة» لقرار دولي جديد حول لبنان لحماية المحكمة وعملها؟