في حديث لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان الى صحيفة «واشنطن بوست»، وفي سياق تصريحات مركزة وشبه يومية حول الوضع في لبنان، قال فيلتمان: «لبنان يعاني حاليا من انقسامات سياسية عميقة، ومن الواضح أي الأطراف تساندها سورية وايران، لذا أعتقد انه من المهم بالنسبة لنا، وكذلك بالنسبة لأصدقاء لبنان الآخرين، اظهار ان الجانب الآخر لا يعاني فراغا، وأنا هنا أتحدث عن الدولة، وليس أنصار 14 آذار فحسب، وبالنظر إلى الرسالة التي نقلتها من الرئيس أوباما إلى الرئيس ميشال سليمان، والاتصال الهاتفي الذي أجرته هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، بالرئيس سليمان، والمشاورات التي عقدناها مع أصدقائنا الإقليميين والدوليين، والتصريحات الصادرة عن السفيرة سوزان رايس في نيويورك في 28 اكتوبر الماضي، نجدها جميعا أمثلة على جهود الولايات المتحدة، كي نثبت لسورية وإيران أنهما ليستا الدولتين الوحيدتين المعنيتين بما يدور في لبنان».
وفي اعتقاد أوساط ديبلوماسية مراقبة انه من الواضح ان هناك استفاقة أميركية ولو متأخرة في الملف اللبناني، وهذه الاستفاقة تمثلت بالزيارة الخاطفة التي قام بها فيلتمان الى لبنان، ونقله رسالة حازمة مفادها الالتزام بالمحكمة الدولية وضمان وجود موقف أميركي يضع خطا أحمر أمام أي محاولة لهز الاستقرار. وتقول الأوساط ان المرحلة المقبلة ستشهد تصاعدا في المواقف الأميركية من الملف اللبناني بحيث تعود الادارة الأميركية الى لعب دور شبيه بالذي لعبته ادارة بوش التي ساهمت مع رئاسة شيراك في انتاج القرار 1559، ويبدو ان ادارة أوباما عادت لتنظر الى الملف اللبناني من الزاوية ذاتها خصوصا لجهة ربط أي تقدم في العلاقات مع سورية بالتزامها عدم العمل للسيطرة مجددا على لبنان.
وتضيف هذه الأوساط ان عوامل عدة ساهمت في حصول الاستفاقة الأميركية، ومنها ان المعلومات التي وصلت الى الادارة والكونغرس والـ«سي آي ايه» تقول ان حزب الله يجهز نفسه للسيطرة على لبنان وتغيير المعادلة القائمة كليا، والهاجس المقلق لدى واشنطن هو سيناريو «الانقلاب الشرعي» الذي يعني اسقاط الحكومة الحالية عبر تفعيل الاكثرية النيابية المنقلبة الى 8 آذار بعد الخروج الجنبلاطي من 14 آذار، هذا ما يفسر اللقاء الاستثنائي لجيفري فيلتمان مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» الذي يحلم بان يبقى في الوسط بين الفريقين، لكن احتدام الصراع لن يبقي مساحة لمثل هذه الاحلام، خصوصا اذا حصر الخيار «مع المحكمة» او ضدها، وعلى افتراض ان «الانقلاب الشرعي» نفد سلميا، فإن ما بعده ليس مضمونا. وتقول الأوساط ان هذه الأجواء تعززت بعد زيارة أحمدي نجاد لبيروت وللجنوب، وهذه الزيارة بالتحديد هي التي أحدثت ما يشبه الصدمة في أوروبا وأميركا وسط تخوف حقيقي من ان لبنان يكاد يقع تحت السيطرة الايرانية، وان ذلك اذا ما حصل فمن الصعب عودة الأمور الى الوراء الا بعد دفع تكاليف كبيرة، وتضيف ان الأميركيين تحركوا بوتيرة سريعة وحضوا دولا عربية على وقف سياسة المرونة المجانية في التعامل مع دمشق، وكذلك أوصلوا رسالة شديدة اللهجة الى سورية عبر القناة التركية بان أي عمل استفزازي غير مضبوط في لبنان ستتحمل القيادة السورية مسؤوليته، وان هز الاستقرار غير مسموح به. في المقابل مصادر في المعارضة تضع حركة فيلتمان واطلالاته المكثفة في خانة التخريب على الجهد العربي ـ الايراني ــ التركي المبذول لتهدئة الساحة اللبنانية. وترى المصادر أن هناك «مد يد» أميركية باتجاه الداخل السعودي ايضا، لتخريب تحرك الملك عبدالله ونجله الأمير عبدالعزيز وتعطيل التسويات التي يمكن أن يتوصل اليها بالتنسيق القائم منذ أكثر من سنة مع سورية، وحاليا مع إيران، وثمة من يتحدث أيضا عن تدخل أميركي باتجاه تركيا لثنيها عن موقفها حيال القضايا العربية ومنها قضية لبنان، وهذه الحركة الأميركية ترخي بثقلها على الوضع اللبناني تأجيلا للحلول، حتى تنضج التسويات الاخرى في المنطقة.