في معركة المحكمة الدولية المفتوحة، وفي جولة ما قبل القرار الظني، أحرز الرئيس سعد الحريري تقدما في النقاط على المستويين الإعلامي والسياسي بعدما كان حزب الله في انطلاقة هذه المواجهة قبل أربعة أشهر في وضع من يمسك المبادرة الى الهجوم وتحديد وفرض قواعد اللعبة واتجاهات المعركة. والنقطة الأخيرة التي سجلها الحريري لمصلحته كانت في ملف «شهود الزور»، اذ نجح في الالتفاف على موقف سابق صدر عنه وتضمن اعترافا بوجود شهود زور، وفي منع المعارضة من الوصول الى التصويت في مجلس الوزراء على هذا الملف لإحالته الى المجلس العدلي. وبغض النظر عن الأسباب وما اذا كان الحريري استفاد من حيادية الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، أو استفاد من توازن قوى داخل الحكومة يعطي فريق المعارضة قدرة الفيتو والتعطيل وليس قدرة اتخاذ القرار والفرض، أو استفاد من توازن إقليمي وعدم توافر ظروف إسقاط الحكومة والإطاحة بالاستقرار والتوازن القائم. فإن النتيجة ان فريق المعارضة خسر بالنقاط في ملف شهود الزور الذي بعد دوران في حلقة مفرغة من التأجيل منذ ثلاثة أشهر وصل الى طريق مسدود وحيث بات قرار حسم هذا الملف مرادفا لقرار تفجير الحكومة. وفي الواقع، لم تكن هذه النقطة السياسية الوحيدة التي أحرزها الحريري هذا الشهر. فقد أعاد تنظيم واحتضان تحالف 14 آذار متجاوزا خروج جنبلاط منه والضغوط التي مورست عليه لفك ارتباطه بهذا التحالف. وحصل على دعم مباشر من «لقاء بكركي المسيحي» الذي أعلن انخراط مسيحيي 14 آذار أكثر في معركة المحكمة الدولية. واستوعب و«استنفد» الضغوط التي طالبته باتخاذ موقف من المحكمة والقرار الظني، وحيث لم يعد هناك إلا انتظار صدور هذا القرار ليبني على الشيء مقتضاه. والرئيس سعد الحريري الذي فاجأ كثيرين بـ «صلابته وتمسكه بقناعاته وحلفائه» كان مصمما منذ البدء على عدم التنازل في موضوع المحكمة الدولية واعتبارها «خطا أحمر» وعلى عدم «التورط» في مواقف جديدة قبل صدور القرار الظني.
في المقابل حزب الله في مناخ آخر، من جهة باتت لديه قناعة بأن القرار الظني سيصدر عاجلا أم آجلا وفي أي وقت، ولم يعد مهتما كثيرا لا بموعد صدور هذا القرار ولا بمضمونه وهو يتصرف منذ أشهر من خلفية انه صدر وفيه اتهام له، كما انه لم يعد ينتظر ويتوقع شيئا من الحريري الذي يمارس في نظره سياسة كسب وشراء الوقت، ولم يعد ينتظر الكثير من المساعي السورية ـ السعودية. ومن جهة ثانية يعتبر ان المسألة لم تعد مسألة شهود زور وقرار ظني وانما أبعد وأعمق وأخطر. فحزب الله يرقب منذ أسابيع وأيام التحولات الطارئة على المشهد الدولي الاقليمي ويعتبرها مقلقة وجديرة بالاهتمام والمتابعة، وتحديدا ما يتعلق بالدخول الأميركي ـ الاسرائيلي على خط الوضع اللبناني من باب المحكمة الدولية والقرار الظني. يلاحظ حزب الله ان الاهتمام الأميركي بلبنان عاد الى مستوياته السابقة بعد إهمال للملف اللبناني ووضعه جانبا منذ وصول أوباما الى البيت الأبيض، وان هذا الاهتمام الاستثنائي والمريب بالمحكمة الدولية ودعمها بقوة الى درجة رفض أي مشروع تسوية ومساومة حولها والالتفاف على المساعي السورية - السعودية في هذا المجال، انما يجري من خلفية ان المحكمة هي الفرصة المتاحة حاليا للوصول الى حزب الله والنيل منه ووضع رأسه تحت المقصلة ولن تفرط واشنطن بهذه الفرصة وتنتظر من دمشق دورا مختلفا عما تقوم به. كما يتوقف حزب الله عند الدخول الاسرائيلي المتجدد على خط القرار الظني بتحديد مساره وكشف مضمونه وتوقع مضاعفاته وتداعياته على الوضع الداخلي في لبنان. ويترافق ذلك مع «تسريبات» عن جهوزية اسرائيلية لشن حرب على حزب الله بعدما تم استيعاب كل دروس حرب 2006 وبعدما يكون حزب الله سقط في فخ الفتنة الداخلية ويكون القرار الاتهامي شرارة لها. هذا القرار الذي بات جاهزا ومعدا ولا ينقص صدوره الا التوقيت الأميركي الذي ضبط على ساعة الجهوزية الاسرائيلية للحرب. لذلك فإن حزب الله يعتبر ان معركته لم تعد معركة شهود زور وقرار ظني، وانما أصبحت مع «أميركا واسرائيل»، ولأنها كذلك فإن الوضع بات أكثر خطورة ولا يحتمل أخطاء في التقدير والحساب.