قد يكون الخطاب السياسي المسهب الذي أطلقه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس الأول بمناسبة «يوم الشهيد»، من أهم الخطب التي أدلى بها في مسلسل اطلالاته المكثفة منذ ان قرر فتح معركة المحكمة الدولية قبل 4 أشهر، ومن أكثرها تماسكا ووضوحا ومضمونا سياسيا مع انه لم يخل من ثغرات وأخطاء مثل «نص» رسالة هنري كسينجر الى العميد ريمون إده عام 1976. لم يكن هذا «خطاب ساعة الصفر» التي ضبطت على توقيت «القرار الظني»، وانما «خطاب» بدء العد العكسي والسريع لأزمة المحكمة في اتجاه تسوية مازالت ممكنة أو مواجهة اكتملت عناصرها ولا ينقصها الا «شرارة الاشتعال». لم يقل نصرالله في خطابه كل شيء وكل الكلام ومازال يحتفظ في جعبته بالأهم والأخطر الذي ألمح إليه أمس الأول عندما أشار الى ملفين قضائيين سيكشف عنهما لاحقا، الأول يتعلق بطلب الحكومة اللبنانية خلال حرب 2006 الاستمرار بالحرب على لبنان ومماطلتها في عملية التفاوض لإطالة أمد الحرب للقضاء على المقاومة. والثاني يتعلق بملف شهود الزور الذي «سيوصل الى رؤوس كبيرة وستكون أكبر فضيحة سياسية في تاريخ المنطقة».
وكشف السيد نصرالله عن خيبته ويأسه من الحلول الداخلية محملا فريق 14 آذار مسؤولية اضاعة الفرص والمخارج.
وقد أضفى نصرالله على خطابه «مسحة تفاؤل» وربما تقصدها في الختام لمزيد من الطمأنة وترسيخ «هدنة الأضحى». ولكن هذه الاشارة الخاطفة والحذرة الى تسوية سياسية يعمل لها حاليا، لم تكن كافية للتخفيف من وطأة خطاب تميز في سياقه العام بـ «التشدد والحزم والتحذير» الذي لامس حد التلويح بالدفاع عن المقاومة وبالوسائل المناسبة التي يتم الاتفاق عليها مع الحلفاء من دون تحديد طبيعة هذه الوسائل، ولكن الأمر بدا كأنه تحذير من «٧ أيار سياسي» هذه المرة.
وأخطر ما في خطاب السيد حسن نصرالله أمران: الأول انه وضع المحكمة الدولية في مصاف حرب تموز الاسرائيلية والقرار 1559 الأميركي كمصدر تهديد وخطورة على المقاومة. والثاني انه أعلن القرار بمواجهة المحكمة وقرارها الظني والدفاع عن النفس وعن المقاومة بكل الوسائل ومن دون استثاء احداها.
ففي خطاب «القرائن السياسية الاتهامية» يعدد نصرالله خمسة فصول هي حسب تسلسلها الزمني: فصل القرار 1559 صيف 2004 الذي صاغه بوش وشيراك.
- فصل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه في عام 2005 من عروض مغرية لحزب الله لإدخاله الى السلطة، ولإغراقه فيها، وأبرز هذه العروض جاءت من الفرنسيين «عرض المثالثة».
- فصل حرب تموز 2006 وهو الأخطر وهدف الى تدمير حزب الله واخضاعه ولكنه فشل في تحقيق هدفه.
- فصل رابع «صغير» تمثل في «فعلة 5 أيار» التي كشفت عن خطأ في فهم وتقدير موقف حزب الله وقوته.
- الفصل الخامس الحالي القائم على اتهام حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذه تهمة كبيرة لا يستطيع أحد ان يتحملها وحزب الله لا يمكن ان يقبل أو يسلم بأي اتهام لأي من مجاهديه ولا يمكن ان يقبل توقيف أو اعتقال أي منهم و«أي يد ستمتد اليهم ستقطع»، وأمام أي اتهام ستدافع المقاومة عن نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة أيا تكن التهديدات التي ستوجه اليها بما في ذلك التهديد والتهويل بحرب اسرائيلية. «التهويل لا يخيفنا والمقاومة جاهزة لصد أي عدوان، وبحديثكم عن حرب اسرائيلية تبشرونا ولا تهددونا».
بعد هذا الخطاب الذي ظهر في ثناياه بعض من تداعيات جلسة شهود الزور «الفاشلة»، تتجه الأنظار الى التسوية السياسية القريبة. والقرار الظني الذي لم يعد بعيدا. فأيهما يسبق في هذا السباق المحموم مع الوقت وبين حدي الانفراج والانفجار؟!