بيروت ـ محمد حرفوش
من دون ان يحدد موعدا دقيقا للانسحاب، صادق المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر على اقتراح الامم المتحدة بالانسحاب من الجزء الشمالي لقرية الغجر، بادعاء انه يكمل تنفيذ القرار الدولي رقم 1701.
سكان الغجر وبغض النظر عن تفاصيل هذه المصادقة خرجوا بتظاهرة اكدوا خلالها من جديد رفضهم تقسيم قريتهم وفكرة تحولهم الى لاجئين في لبنان وفق قولهم، الامر الذي من شأنه ان يفتح جدلا واسعا على الساحة الداخلية.
ومن خلال لمحة تاريخية سريعة يتبين ان الغجر قرية عدد سكانها نحو 2700 نسمة، تقع في اقصى شمال هضبة الجولان على بعد كيلو مترات غرب مزارع شبعا في وادي العسل على ضفاف نهر الحاصباني، وسكانها العلويون يعيشون في محيط شيعي يمثل الاكثرية في جنوب لبنان وسني في شبعا ودرزي في مجدل شمال في الجولان، والقرية شطران: الشمال لبناني يحتله الجيش الاسرائيلي، والجنوب سوري وهو جزء من هضبة الجولان التي احتلتها اسرائيل بعد حرب 1967، والشطران متداخلان فيما الخط الازرق يمر على الطرف الجنوبي لساحة البلدة، ويقيم 60% من السكان في الشطر اللبناني، فيما يقيم 40% منهم في الشطر السوري، وهناك وضع فريد فالخط الازرق الذي رسمه المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة تيري رود ـ لارسن قسم البلدة الى جزأين شمالها لبناني وجنوبها سوري جولاني، والمشكلة التي يواجهها لبنان الذي يطالب بانسحاب اسرائيل من القرية ان هناك عاملا انسانيا يتعلق بحقوق السكان فسكانها يعتبرون انفسهم سوريين ويرفضون ضمهم للبنان ويريدون البقاء تحت الاحتلال الاسرائيلي حتى تحرير الجولان ويريدون الاستفادة من الخدمات المدنية التي تقدمها اليهم اسرائيل، اضافة الى الهوية الاسرائيلية التي هي في حوزتهم حاليا، واسرائيل ملزمة بالانسحاب من كل الاراضي اللبنانية وفقا للقرار 1701.
في القرن التاسع عشر كانت الامبراطورية العثمانية تعتبر الشرق الاوسط بأجمعه تابعا لها وكانت الحدود ادارية بين منطقة واخرى، وبين عامي 1920 و1923 خلال الانتدابين الفرنسي والبريطاني، وضعت الغجر وكفر شوبا وشبعا ضمن الحدود السورية المعترف بها بين الدولتين المنتدبتين، وبدأت هذه المنطقة في الازدهار نحو الشمال في الاراضي حتى عام 1967 عندما الحقتها به، ولم يشكل نمو القرية نحو الشمال في الاراضي اللبنانية وانقسامها قسمين حتى عام 1981 اي مشكلة، فبعد ان احتلت اسرائيل لبنان عام 1982 احتلت المنطقة الشمالية من الغجر وتوحدت القرية، اما بعد العام 2000 والانسحاب الاسرائيلي من لبنان فقد اضطرت الامم المتحدة الى رسم الخط الازرق الذي يفصل بين اسرائيل ولبنان، وهكذا قسمت قرية الغجر مجددا الى قسمين وشكلت الطريق الرئيسية في وسط القرية الحدود بين القسمين اللبناني والسوري حتى العام 2006، ويحمل سكان القسم الشمالي الجنسيتين اللبنانية والاسرائيلية، فيما يحمل سكان القسم الجنوبي (السوري) الجنسية الاسرائيلية فقط.
في يوليو 2006 احتلت اسرائيل شمال قرية الغجر، وبعد 33 يوما انسحب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، غير انه لم ينسحب من قرية الغجر الواقعة رسميا شمال الخط الازرق في لبنان، وكان القرار 1701 قد طالب اسرائيل بالانسحاب من جميع الاراضي اللبناني المحتلة.
والجدير بالذكر ان الحكومة الاسرائيلية الامنية وافقت في مارس من العام 2007 على انسحاب الجيش الاسرائيلي من الجزء الشمالي في قرية الغجر على ان تحل محله قوات اليونيفيل المنتشرة في جنوب لبنان في مرحلة اولى دون الجيش الاسرائيلي، غير ان سكان القرية رغم انها تقع في الاراضي اللبنانية، يعتبرون انفسهم سوريين ويقولون ان القرية امتدت الى الشمال في الاراضي اللبنانية بحكم النمو الطبيعي ولانه لم يكن امام سكانها حل آخر.
وانه خلال القرن الماضي لم يعتبر اهالي الغجر انفسهم لبنانيين، ويذكرون أنه بعد حرب 1967 طالبوا السلطات الاسرائيلية بضم القرية الى الجولان المحتل، بمعنى آخر وضعهم تحت الاحتلال الاسرائيلي حتى اعادة الجولان الى سورية، وهكذا تم الاعتراف بأن القرية سورية.
واليوم مازال الاهالي يرفضون الانسحاب الاسرائيلي من قريتهم وتسليمها الى القوات الدولية.