أثبت الرئيس ميشال سليمان قولا وفعلا انه «رئيس توافقي» وعلى مسافة متوازنة من طرفي الصراع، ولكن في ظل احتدام الصراع السياسي ووصوله الى مراحل متقدمة وحاسمة كما هو حاصل الآن، يصبح الدور الرئاسي التوافقي صعبا ودقيقا ويصبح موقع الرئاسة عرضة لضغوط متضاربة ولانتقادات الفريقين المتقابلين، وحيث يسعى كل فريق الى اجتذاب رئيس الجمهورية الى جهته، خصوصا في «معركة شهود الزور» حيث للرئيس سليمان دور وموقع «القوة المرجحة» في مجلس الوزراء.
قبل ذهابه الى دمشق، تعرض الرئيس سليمان لضغوط وانتقادات لاذعة من فريق المعارضة الذي حمله ضمنا مسؤولية التمييع والتأجيل في ملف شهود الزور وأظهر ضيقا إزاء ما سماه «وسطية ورمادية» الرئيس سليمان، في وضع لا يحتمل مثل هذا الموقف لأن أزمة المحكمة الدولية بمتفرعاتها (القرار الظني وشهود الزور) لم تعد محصورة بأبعاد قضائية وبمخارج شكلية (مثل اقتراح لجنة تحقيق برلمانية)، وانما باتت متصلة بالمقاومة ودورها، وانها بالتالي لا تحتمل موقف وأسلوب من يريد إمساك العصا من وسطها واتباع سياسة التوازن أو الحياد السلبي. وبعد عودته من دمشق، تعرض الرئيس سليمان لانتقادات ملطفة من فريق 14 آذار بسبب «الطريقة غير الرسمية» التي ذهب بها الى دمشق وأجرى محادثات مع الرئيس بشار الأسد من دون إعلام وتصوير ومن دون صدور بيان مشترك في ختام الزيارة.
وهذا ما يؤكد من وجهة نظر هذا الفريق ان العلاقة بين سليمان والأسد ليست على ما يرام، وان الجانب السوري عكس من خلال «الشكليات الناقصة» عدم رضاه على مواقف وسياسات الرئيس سليمان في الفترة الأخيرة التي لا تتناغم على موجة سياسية واحدة مع دمشق.
في الواقع هذا «التوصيف» للقمة اللبنانية ـ السورية ليس دقيقا ولا يعكس مناخاتها ونتائجها.
واستنادا الى مصادر سياسية مطلعة وقريبة من قصر بعبدا، فإن اللقاء الطارئ الذي حصل أول أيام عيد الأضحى بناء على رغبة الرئيس اللبناني لم يكن فقط لقاء «معايدة ومجاملة»، وانما كان «لقاء عمل» ومن أكثر اللقاءات التي عقدت بين الرئيسين «أهمية وعملية».
فعلى امتداد ساعة اقتطعها الرئيس السوري من أجندته الخاصة والعائلية، جرى بحث مكثف ومعمق في آخر تطورات الوضع اللبناني وما آلت اليه المساعي السورية ـ السعودية النشطة.
وعاد الرئيس سليمان مرتاحا الى ما سمعه ولمسه من «تشديد على أمن واستقرار لبنان، وعلى ضرورة بقاء الخلافات في اطارها السياسي بعيدا عن الشارع ومظاهر استخدام القوة، وعن «بلوغ الاتصالات السورية ـ السعودية شوطا متقدما على صعيد بلورة تسوية سياسية ستصل الى خواتيمها قريبا».
وقد عبر الرئيس الأسد عن ارتياحه وتقديره لأداء الرئيس سليمان وطريقة ادارته للأزمة بما يحفظ الاستقرار السياسي وعدم انفراط عقد حكومة الوحدة الوطنية، كما عبر عن انزعاج من «تسريبات وسيناريوهات» روجت أخيرا وساهمت في إذكاء التوتر والتشويش على مساعي الحل. وتتوقع مصادر سياسية أخرى تغييرا في نمط الحركة والاتصالات التي ستكون كثيفة وعلنية على طريق دمشق ـ الرياض بعدما فرضت عطلة الأضحى حالا من التراخي والركود.
وسيكون في هذا المجال زيارة للأمير عبدالعزيز بن عبدالله الى دمشق وفي جعبته أفكارا ومقترحات بشأن صيغة التسوية والورقة الخطية التي يجري بحثها بين الرياض ودمشق.
وتجري هذه الزيارة في ظل تطور مهم تمثل في استئناف الاتصالات بين دمشق والرئيس سعد الحريري الذي بادر الى اجراء اتصال معايدة مع الأسد، وكان اتصالا طويلا دخل في تفاصيل الأمور.
أما الاختراق السياسي الأهم الذي يعمل له فهو عقد لقاء بين الحريري والسيد حسن نصرالله عندما يكون مشروع التسوية قد بلغ المرحلة النهائية الحاسمة، مع الإشارة هنا الى ان التسوية التي يعمل لها تتجاوز مسألة «احتواء مفاعيل القرار الظني وتداعياته» الى اعادة ارساء وضع سياسي وحكومي ثابت ومستقر، وعلى أساس اعادة صياغة المعادلة السياسية والعلاقة بين الحريري وحزب الله.
ويحكى في هذا المجال عن «سلة كاملة متكاملة» وعن «رزمة أفكار ومقترحات» تتضمن على سبيل المثال اجراء تعديل حكومي وتصل الى فكرة انشاء مجلس الشيوخ وغير ذلك.